Archive for the ‘القصة مش طقس !’ Category

وقائع ما حدث بعد رنة الهاتف الرابعة !

الثلاثاء, أبريل 17th, 2012

 

كانت الساعة الثالثة صباحاً حينما رنّ الهاتف لأول مرة ولكنه توقف , وما أن وضعت رأسي من جديد لأنام حتى سمعت بعض الطرق على باب غرفتي , خشيت أن السبب هو مجرد خيالات لأني لم أنم منذ يومين , فركت وجهي وعينيّ , أشعلت النور وفتحت الشباك , ثم انتظرت أن يُطرق على الباب مرة أخرى وعيناي تنظران إليه بخوف , أخذت أفكر مَنْ مِن المحتمل أن يأتيني في آخر الليل؟ هل هو الطالب السوداني هارون الذي نسي معي دفتر محاضراته ؟ أم فتاة ليل تشعر بالضجر , أنا أيضاً كنتُ أشعر بالضجر لكن الخوف كان يمنعني من فتح الباب . بقيت على حالي لمدة ساعة وقلبي يكاد ينفجر , أطفأت الضوء لأنام ثم ظهر الضوء . 

* اقتبست الفكرة من أغنية أنا وسهرانة : )

رؤيا .

الإثنين, أغسطس 8th, 2011

حلمتُ بشاعرٍ يلقنني القصائد
يقول لي " قل رأيتُ , رأيتْ " .
وأنا أرى بعينٍ حمراء مسّها تعب
أرى كل ما لا يستطيعه الناس
فأخجل من مسّي وأعود لأعمى .

يُسائلني " قل رأيتُ , رأيتْ " . فأرى رأساً مشنوقة لوجهٍ يشبه وجه المسيح معلقةً على جداري , فأصاب برجفة تكاد تزلزل الأرض من تحتي ولا أجد دثاري , فيمسّ قلبي الوهن , يمسّ عيني الدمّ , يمسسني هذا الوجه المبتسم ذو العينين الجاحظتين وأعمى ..
يعود إليّ مِراراً , يعطيني عينان كاللؤلؤ فأرى أسحار الناس في الماء . وجدت رقعة الرجل الذي فقد حبيبته بسبب الملل , وبسبب أنه كان فارغاً من كل شيء سوى من مِزاجه , كتب في الرقعة أنه عاش سنين شِداد لم يكن له بها قِبل , كان فارغاً تماماً , وكانت هي – من صنع لأجلها سحره الغريب – ممتلئة بكل شيء إلا من الوقت .. ومنه . ثم كان ما كان من أمرهما البعيد , تركها وحلفت عليه ألا يفعل , لكنه عمي عنها وأغلق عقله ليذهب لسيدة أخرى عاش معها سنين غِياث وعاشت معه سنين يابسات , توقف عن مزاجه لأجلها , لكنه لما توقف عن مزاجه توقفت عن حبه , كتب في الرقعة أنه أبصر الحقيقة الكاملة , كأنه رأى إلهاً . ففكر حينها في أن يصنع السحر ليعمى عن تعب ما رأى .
يعود يُسائلني تارةً تارة , قل رأيتُ , رأيتْ . وأرى جسدي راكعاً على جبل الطور يبكي , تحوم فوقه غربان ونسور , لا ربّ يكلمني ولا نار , وفي الوادي المقدس أرى كل من أحببت , أعدّهم عدّاً , وحده جلال الدين بأطراف طُوى يرقص الرقصة الأخيرة من أجل الله ومن أجل أن يشفق عليه شمس الدين ليعود من أجله . ويناديه " أنت يا روحي من كل الأرواح , لا تذهب بدوني " ويدور منتشياً , فأضع رأسي على صخرة صماء , تنطق من أجلي لتهدأ روعي وتقول لي أغلق عينيك وكن أعمى , لا ترى .

برد آباد

الإثنين, ديسمبر 20th, 2010

تعبان ؟ نعم . بماذا تشعر ؟ (…) . يجب أن تشعر بشيء حتى تأتي إليّ ! هل هو البرد ؟ نعم . ترتدي ملابس ثقيلة في بيتك ؟ نعم . لكن لا أرى أي ملابس ثقيلة عليك , و يداك زرقاء , عندك غلفز ؟ نعم . لما لا ترتديهم الآن ؟ (…) . لا تهزّ إليّ كتفك , عندك غلفز ؟ نعم . لا , لا أعتقد أنك تملك أي شيء . لا أدري ما الذي جاء بك , هل تشعر بالضجر ؟ نعم . بالكآبة ؟ نعم . هل هذا بسبب البرد أم لشيء آخر ؟ (…) . لا تهزّ إليّ كتفك . هل أنت تعيس ؟ نعم . لك أصدقاء ؟ نعم . ما أسمك ؟ (…) . لديك اسم صح ؟ نعم . ماذا ترى ؟ (…) . لا تهزّ إليّ كتفك , أعمى ؟ نعم . لكن أنت ترى ؟ نعم . لا تحب التحدث كثيراً صح ؟ نعم . طيب لماذا أنت هنا ؟ (…) . لا تهزّ إليّ كتفك , هل تعرف من أنا ؟ نعم . لا يأتي أحد عندي إلا إن أراد الكلام , لك لسان صح ؟ نعم . طيب تحدث عن أي شيء ! نعم نعم نعم لا تعرف غيرها ؟ (…) . خائف ؟ نعم . مؤمن ؟ نعم . تصلي ؟ نعم . تعرف الله ؟ نعم . إذاً بحق الله قل لي أي شيء غير نعم , لماذا تنظر إلى السقف ؟ تفكر بشيء تقوله غير نعم ؟ حسناً , أنا أنتظر . لم تجد شيئاً حتى الآن ؟ نعم . أعتقد أنك رجل مُثقل بالذكرى , يحصل أن تهجم عليك الذكرى دائماً في الشتاء ولا تقدر على كبح جماح سطوتها , لا تتذكر غالباً في الصيف صح ؟ نعم . لماذا تبتسم تعتقد أني فككت لغزك ؟ نعم . تحب الشتاء ؟ نعم . أريد أن أسمع منك القصة . (…) . لا تهزّ إليّ كتفك , لقد شحب وجهك , أعتقد أني أخطأت بسؤالي هذا صح ؟ نعم . تحب ركوب المترو ؟ نعم . رؤية الناس ! لا أدري بما أصف لحظات ركوب المترو , أمر محيّر لكنه محرّض على الكتابة هاه ؟ أعتقد لو كنت روائياً لم أكن لأكتب سوى في المترو , الناس ! الناس ! كيف أصف ذلك , لكن أعتقد بأنك تفهم ما أعنيه صح ؟ نعم . هل لديك نوتة لتكتب فيها ؟ نعم . لم أكن لأجرؤ على طلب رؤيتها لأنك سترفض حتماً , ابتسامتك جميلة هل تعلم ؟ كانت تقول لك في الشتاء أن لديك ابتسامة جميلة صح ؟ نعم . في الصيف كان رحيلها لكن هذه المرة غابت حتى في الشتاء ؟ نعم . لم تنم منذ أيام ؟ نعم . لأن الليل طويل ؟ نعم . لأن الليل طويل وممل ؟ نعم . لأن الليل طويل وممل والذكرى تؤرقك ؟ نعم . لأن الليل طويل وممل والذكرى تؤرقك ولا تستطيع عمل شيء ؟ نعم . لأن الليل طويل وممل والذكرى تؤرقك ولا تستطيع عمل شيء جئت إليّ ؟ نعم . إذاً حاول أن لا تتذكر شيئاً وأن تنام قليلاً , ولا تهزّ إليّ كتفك .

راجعين ياهوى .. راجعين

الخميس, يوليو 1st, 2010

أنا المدعو أبو العرب . هذا قطعاً ليس اسمي الحقيقي , إنما أطلقه عليّ اصدقائي بعد ذهابي مرة إلى مناطق البدو على الحدود الليبية المصرية . ألِفتُ هذا الإسم حتى نسيت بماذا كانت تناديني أمي , هي أيضاً ألفته وأصبحت لا تناديني إلا به , رغم كفرها بكل ماهو عربي ؛ انضم إليها أبي وإخوتي فيما بعد حتى أصبح هذا الإسم الوحيد الذي أُنادى به . بالمناسبة وللتعريف عن نفسي أكثر أنا فلسطيني أدرس بالقاهرة , هوايتي السير لمسافاتٍ طويلة , طويلة جداً لا يكاد يقطعها إلا جمل نسي طعم الماء وذهب يبحث عنه في أعماق الصحراء . أدخن وأشرب القهوة السوداء , مربوع الجسم قليلاً بالشكل الذي لا يتناسق مع هوايتي التي أخبرتكم عنها . أجهل أشياء كثيرة في الحياة , كرة القدم على سبيل المثال , أعرف محمود درويش لكن لم اقرأ شيئاً له , لا أدري كيف يحتمل الناس حمل دفتي كتاب شعر وقرائته بمتعة , لا أدري كيف يفهمونه من الأساس ؛ لست مثقفاً ولم أحمل كتاباً في حياتي بإستثناء كتب المدرسة ثم الجامعة من بعدها . يمكن اعتباري من عرب 48 حيث أن قريتنا كانت تابعة لقضاء الرملة , نسيت اسم قريتنا التي حكى لي عنها سِيدي كثيراً , أعتقد أن اسمها كوكبة , لكن إن كنت نسيت اسمها فإني لم أنسى حق عودتي إليها . مررت على القدس من بعيد , كنتُ صغيراً لا أذكرُ هل رأيتها فعلاً أم شُبهّت لي , توقفنا وقتئذ في قرية اسمها عِناتا شرقيّ القدس , القدس التي بإمكانك رؤيتها من جميع الجهات لوقوفها على أربعة جبال , يومها كنا نفرّ من كوننا عرباً يحملون رقم نكبة إلى غزة . هناك عشت بضع سنين حتى قرر أبي السفر إلى السعودية للعمل , سكنا أولاً الأحساء ثم نحن الآن في جدة . قررت ذات حماقة أن أكمل دراستي في مصر , لا أدري سبب اختياري لها , لكن إن كان للمدن كاريزما كما الرجال فإن للقاهرة شيئاً تملكه لا يملكه غيرها مهما حاولوا , غير أنه حال الإقتراب منها تبدأ بكرهها , لا يعنيني أنها أم الدنيا , لا يمكن لمدينة أن تحتضنك كأم ولا حتى كعاهرة , المدن مدن وكفى . ويوماً كنت أسير كالعادة , فجراً على غير العادة , حتى اقترب مني اثنان وطلبا مني بهدوء أن أرافقهم , عرفت أنهم ( مباحس ) أمن الدولة , وبالرغم من معرفتي أني لم أرتكب أي خطأ رافقتهم بالهدوء الذي جاءوني به . الحقيقة أني كنت اشعر بالفراغ ليلتها لذلك سعدت بمرافقتهم , لكن حالما ركبنا السيارة انقبض قلبي حتى شعرت أني أحتضر , أخذ نَفسَي ينقطع وأحسست بأن عيناي ستنفجران , دماً أم دمعاً لا أدري , كان شريط الذكريات الذي يقولون بالأفلام أنه يأتي قبل لحظات الإحتضار قد جاءني حقاً , وهذا مازاد من رعبي وشعرت أني أموت لاريب , غير أن الرجل الجالس على يميني حينما فتح الشباك وتنفستْ شعرتُ بأن روحي قد عادت . ربما اعتاد هذا الرجل أن يختنق الجميع معه , وبقدر اعتياده على اختناقهم اعتاد على فتح الشباك بكل رتابة ليتنفسوا وتعود أرواحهم التائهة في شريط ذكريات ماقبل الاحتضار إليهم . سألت الرجل الجالس على يميني إلى متى سأبقى ؟ أجاب خمس دقائق , قلت له هذا جيد لأن ( عندي قامعة بكرا ) , فرد عليّ بحقدٍ ضاحك ماشي ياروح أمك . أدخلوني السجن , وللأمانة لم يعتدي عليّ أحداً ولا حتى بصفعة . حققوا معي عن كل شيء في الحياة , كان التحقيق عن بُعد بواسطة هاتف يصلني بهم . وهذا ماوجدته اعتداءً نفسياً شعرت معه بالإحتقار لأنه حتى في تحقيقهم معي لم استشعر بقرب أحدٍ مني , كأنه لا أهمية لي , وضعوني بعدها في زنزانة مع ثلاثة اشخاص لمدة ثلاثة أيام , لا أعلم حتى الآن هل هذا التطابق بين الاشخاص والأيام كان قدرياً أم عن قصد ؟ دخلنا نحن الأربعة في نفس اليوم حسبما أخبروني , أحدهم منذ دخولي كان نائماً , وحين أفاق في اليوم التالي سألته بإستغراب كيف يأتيك النوم في هذه الحالة الصعبة ؟ فنفض بيده وقال أهوه كده ! غير أنه لم ينم بعد تلك الليلة أبداً حتى تمّ ترحيله . الثاني كان رجلاً يلبس ثوباً سعودياً قصيراً , لحيته طويلة جداً تغطي صدره , هيأته هيئة القادم تواً من الجهاد , خفت منه أول الأمر وآثرت الابتعاد عنه , خوفي لم يكن من شخصه وإنما من هيئته , وكأنه عرف مابي فسألني : إنتا خايف مني والا ايه ؟ أنكرت خوفي وقلت متصنعاً الشجاعة : أنا خايف ؟ مين قال ؟ إبتسمَ بصفاء وقال أنا مهندس على فكرة . شعرت لحظتها بالارتياح وقلت له قرّب الله جابك ! فقصّ علي سبب سجنه , كان لديه شركة في الصعيد , بدأت صغيرة وكبرت أكثر حتى صارت تنافس شركة كبرى كانت مسيطرة على السوق تعود لرجلٍ مهم , الأكيد أن هذا الأمر لم يعجبهم , فجاءني اتصال يقول لي تعال عايزينك شوية ؛ جئت وهآنذا . كان الرجل راضياً ولايشكو , سألته عندك أولاد ؟ هذا السؤال الذي اسأله لكل الذين عرفتهم بالسجن , أخبرني أن لديه ابنة عمرها أربعة شهور ؛ فغضبتُ لأنه لا يبكي عليها كما كنت أبكي بصمت على أمي , غضبتُ لأني لم أسمعه يدعو مرة أن يخرج من هنا ويعود إليهم كما كنت أدعو أن يلطف الله بحال أمي وأبي وأن يقرّ أعينهم , أخبرته بعصبية أني لا أفهم هذا الرضى الذي يسكنه , الحقيقة .. تلك الليلة فقط لم أفهمه . الرجل الثالث كان ذا هيئة رثة استغربت وجوده من الأساس ثم علمت فيما بعد أنه مسؤول بشركة نفطية . كان رجلاً لطيفاً وقال لي أنه هنا بسبب قضية كانت قبل عشرين عاماً ؛ هو الآخر كان راضياً . لم يتكلم طوال الثلاثة أيام التي قضيناها معاً إلا ليقول أنه بعد يومين سوف يخرج . في الليلة الثالثة تم ترحيلنا من هذه الزنزانة في وقتٍ واحد , هم لا أدري إلى أين وأنا إلى زنزانة انفرادية . هنا تحولتُ إلى رجلٍ آخر لا يشبهني في شيء عدا المشي لمسافات طويلة , كنت أذرع غرفتي على شكل دائرة بالساعات حتى أعتقد أني سأُهلكُ قدماي من المشي . لكن الحقيقة أني لم أكن أريد التفكير في حالتي الآن , كنت أشعر بالدقيقة كساعة في سيري , وفي لحظات تعبي كانت الدقيقة لاتشبه الوقت , تساوي ملايين ملايين السنين . أفكر بأمي وأبي وإخوتي , أفكر لماذا أنا هنا من الأساس ؟ أفكر أكثر بالاشياء الثلاثة التي ستحصل لي لا محالة : إما أن أُسجن , مع ما يأتيه ذلك من عذاب حال التعمق في التفاصيل .. كيف آكل ؟ من سيزورني ؟ أين سيسجنوني ؟ ماذا هل متى ؟ . وإما أن يتم ترحيلي إلى غزة . وهاذان الخياران : السجن والترحيل كلاهما قاتلٌ لي ؛ وإما أنه سيفرج عني لأني قطعاً لم أرتكب شيئاً . أصبح هذا هاجسي أغلب أيام إقامتي بسجني . لكن هاجسي الأكبر هو اشتياقي لكل الاشياء السخيفة التي لم ألقي لها بالاً في يوم .. أن اقرأ جريدة , أن أغتسل , أن أمشط شعري , أن أحلق , أن أرى نفسي في مرآة , أن أصلي الجمعة , والأهم هو التحدث مع أي مخلوقٍ كان . يفتك بي هذا الصمت , يفتك بي أن أسمع الضجيج فقط في رأسي ؛ كان هذا العذاب الأشد لرجلٍ اعتاد في سيره الطويل أن يحادث مائة شخص على الأقل , والآن لأسلي نفسي أصبحت أجلس متربعاً وجهي للجدار وأقول لنفسي كيف حالك يازلمة ؟ إن شاء الله منيح ؟ وأجيب على نفسي بكل اللهجات التي أعرفها , بخير بشرنا عنك ؟ ميرسي لـ الله , زي الفل ياباشا , آم فاين ثانك يو . كان هذا مسلياً في الأيام الأولى , لكنه بعد ذلك أصبح باعثاً على الكآبة , ولولا سيري الطويل على شكل دائرة  لمتّ كمداً . يوماً سمعت صوتاً يأتي من الزنزانة التي بجانبي , صوت آذان , لم ينشرح صدري في حياتي كلها كما انشرح في تلك اللحظة . أخذت أقترب أكثر وأكثر من الجدار حتى التصقت فيه , ضربتُ بيدي بقوة عليه , أردت أن أقول له أني أسكن بجانبك وأنّي اشتقت لسماع صوت أحد , مرّ اليوم وكنت لا أسمع صوته إلا وهو يؤذن , في الموعد تماماً . وفي كل لحظة حينما ينطق الله أكبر كنت أركض إلى الجدار لألتصق به , يوماً تجرأت وقلت : اللهم رب هذه الدعوة التامة . فجاءني الصوت : والصلاة القائمة ! فأكملت الدعاء : آتي محمداً الوسيلة والفضيلة , فأكمل هو : والدرجة العالية الرفيعة .. كان صوت قلبي أعلى من صوتي , خفت على نفسي أن أموت فرحاً بهذا الصوت , ثم لا أدري من تحدث قلبي أم لساني وسمعتني أقول : وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته . تذكرت أن اسمي هو محمود , تمنيت حينها أني لم أسافر يوماً للبدو ليطلقوا عليّ هذا الإسم , كان مريحاً أن اسمي محمود , وبعد أن نطق الرجل إنك لا تخلف الميعاد , قبلّت الجدار . استمرينا على هذا الأمر يومان ثم اختفى الرجل , لعلهم أطلقوا سراحه أو رحلّوه إلى مكان آخر , كان جميع المساجين الذين يأتون لا يبقون أكثر من ثلاثة أيام حتى يختفوا , على الأرجح يُطلقون سراحهم نكايةً بي لأبقى وحدي ولا أعتاد على صوت أحد . كان لا يجرأ إنسان على التحدث معي , ولا حتى الأمناء العساكر . نتحدث نعم , لكن عن طريق الإشارة , نضع اصبعين على الكتف لنفهم أن المقصود ضابط , أحرك يدي اليمنى من اليسار حتى اليمين ليفهموا أني أطلب جريدة , أدعك بيدي على جسدي إشارة إلى حاجتي إلى صابونة اغسل نفسي بها , على الأرجح لم نكن نفهم بعضنا إلا بهذه الثلاثة إشارات ( الضابط , الجريدة , الصابونة ) لكن المهم هو أن أتحدث وليس كيف أتحدث . حديثي الأجمل كان مع شاب صغير لمّا يتجاوز العشرين , مسجوناً في الزنزانة المقابلة لي واستطعت رؤيته من الفتحة الموجودة بالباب , أشرت إليه بيدي تعال , فأقترب من فتحة زنزانته وأشار لي ماذا تريد ؟ سألته لماذا أنت هنا ؟ فحرّك شفاهه ص و ف ي ! أغمضت عيناي وهززت برأسي كما يفعل الصوفيين لأتأكد منه هل هو فعلاً صوفي , فهزّ رأسه مؤكداً ذلك , سألته منذ متى أنت هنا ؟ أشار لي منذ عام . كان مبتسماً .. سألته ولكنك صغير ! ماذا فعلت حينما جاءوا يقبضون عليك ؟ فضحك وأخذ يقفز ويوزع قبلات ليخبرني أنه كان سعيداً وقتها ! سألته لماذا ؟ . لم أستطع معرفة الجواب بسبب قدوم أحد الامناء فدخلت خوفاً من ترحيل أحدنا إذا عرفوا أنّا كنا نتحدث , وهذا ماوقع .. فلم يجنّ الليل حتى رحلّوه لا أدري إلى أي زنزانة . الغريب أن هؤلاء الأمناء كانوا في غاية الطيبة معي , إلا في حالة حضور أحد من الضباط لتتغير المعاملة رأساً على عقب . لم يأتني أحد من الضباط سوى مرتين , الأولى ليخرجوني إلى زنزانة أخرى ريثما يقومون بتنظيف زنزانتي , والثانية حينما شاهدوا بكاميرات المراقبة أحد الأمناء يعطيني صابونة وظنّوا أنه يعطيني هاتفاً , لم تمرّ ثواني حتى جاءت كتيبة كاملة فيها جميع الرتب يركضون إليّ ويصرخون ( طلع الموبايل يا ابن .. ) وأنا أضحك وأقول ياجماعة هاي صابونة وحياة الله صابونة , وأشير بها في وجوههم , اقتنعوا أخيراً أنها صابونة بعد تفتيش دقيق للزنزانة , وجاءني توبيخ شديد لي وللأمين الذي لم أره بعدها , لكنهم على أي حال تركوا الصابونة , كثر خيرهم , ربما لأنهم رأوا أن حالي يرثى له بعد أن مرّ ثمانية أيام حتى الآن لم أغيّر فيها ولا قطعة من ملابسي . لما نقلوني للزنزانة الأخرى كانت كقوس قزح , ملأى بالألوان , الأزرق والأحمر والأسود والأخضر والأصفر , لا أدري كيف حصلوا على هذه الألوان , كانت زنزانة كلها كتابات , لم يبقى فيها موضع إلا وعليه حرف . على عكس زنزاتي البيضاء تماماً والجديدة نسبياً بحمام نظيف مقارنة بغيره , يحتوي على مغسلة بدون مرآة ومقعدان أحدهما افرنجي والآخر عربي كاد يقتلني يوماً بسبب صوت تكات الماء التي تسقط عليه لا أدري من أين , تك تك تك .. وكل قطرة كسيف ينغرس بعقلي . في زنزانة قوس قزح قضيت نصف يوم اقرأ الكتابات على الجدران , آخر الذي قرأته ماكتبه أصغر سجين , ولد بالثمانينات وسُجن في 1994 وأفُرج عنه بـ 2010 وكتب يقول سنبقى على الجهاد ! قرأتها من هنا وصحت من هنا : طلعوني من هان ياولاد الكلب . لم يسمعني أحد لكن ما مرّ وقت طويل حتى أعادوني إلى غرفتي التي لم يتغير فيها شيء , الحقيقة لا أدري هل نظفوها حقاً أم هي مجرد فسحة وتغيير جو حتى لا أعتاد على شيء ولا حتى زنزانة . حينما اختفى الجميع فجأة المؤذن والصوفي والأمناء والضباط والمساجين لأيام ولم أسمع صوتاً إلا صوت الفتحة في الباب الحديدي الذي يلقي منه العسكري الطعام قررت أن أعقد صداقات مع أي أحد ؛ وقع اختياري على النمل , أصبحت أناديهم وأحادثهم وألعب معهم , كنت أحب النمل من قبل وأحببتهم أكثر بعد معاشرتي لهم , يوماً ما صنعت دائرة من الماء حول مجموعة من النمل لأرى مايصنعون , كنت أعرفُ عن ذكائهم لكن أحببت أن أراه بنفسي ؛ بعد أن أخذوا يدورون ويدورون داخل هذه الدائرة ولم يجدوا منها مخرجاً وقفتْ نملة عند المنطقة التي اعتقدتْ أنها أقل ماء من غيرها ثم جاءت نملة أخرى وصعدت على ظهرها ثم جاءت النملة الثالثة لتصعد عليهم جميعاً حتى تخطت الماء وخرجت مسرعة ! صرخت مذهولاً مما رأيت وفاتني أن ألحق النملة التي خرجت لأعرف هل هي الملكة حتى يموتوا هم وتنجوا هي ؟ مرة أخرى جاءت نملة قريباً مني , فصنعت متاهات من الماء وأدخلتها بها , أخذت النملة تخطو في جميع الاتجاهات داخل الماء حتى اهتدت آخر الأمر إلى المخرج واستطاعت النجاة . لم تهرب بعد أن بللها الماء بل وقفت دقيقة ثم بدأت تتحرك ببطء حتى جفّت تماماً وسارت بخطى الواثق إلى بيتها . أحسست أنها أرادت أن تعطيني الدرس الأخير وتقول لي ها أنا كدت أغرق وأنقذني الله من هذا السجن الذي أدخلتني فيه , وسرتُ إلى بيتي لا أنظر خلفي ناسيةً كل شيء . تذكرت لحظتها دعاء الكرب , فصليت ودعوت الله بهذا الدعاء في السجود من أعماق قلبي . كان قد مرّ عليّ ستة عشر يوماً , ثلاثة مع الثلاثة , والثلاثة عشرة الباقية لوحدي , في الليلة السابعة عشرة خرجت .

* هذه القصة من نسج الخيال بالكامل . أهديها إلى صديقي الفلسطيني الوحيد الذي أحببته .. أحمد .

أزرق

الثلاثاء, يونيو 2nd, 2009

أُنظر إليّ ؛ قدمي مبتورة , لا يهمك أن تعرف كيف حصل ذلك ومتى , لازلت طفلاً وأنسى ذلك , لكن أمامي عُمراً طويلاً لأتذكره كل ليلة . أُنظر إليّ ؛ أقف أمام بائع الخضروات فيعطيني حبة طماطم , دائماً ماتكون الطماطم فاسدة , لئيم هذا البائع ومحله مليئ بالذباب , أقف بعيداً ويعتقد أني أشعر بالخجل , لا يعلم أني أهرب من غابة الذباب في دكّانه . أُنظر إليّ ؛ أقف أمام الدكان فيسألني البائع ماذا أشتهي , أهز له بكتفي , أي شيء . فيعطيني عصيراً وشيبس , أحب " ليز " تحديداً , لكن لم يحصل أن أعطاني منها يوماً , لئيم هذا البائع أيضاً , يبحثون عن الأرخص ليتصدقوا به عليّ . هم يعتقدون أني لا أفهم مايفكرون به , لكن صدقني .. أفهم كل مايدور في عقولهم , هم السذّج ولست أنا . أن تكون رجلي مبتورة ليس معنى ذلك أن جزءً من عقلي مبتور أيضاً , هل تفهم عليّ ؟ أعتقد بأنك تفهم . دعني أكمل لك ؛ أقف أمام باب المسجد لأشرب من ماء السبيل المرّ الطعم والمليء بالجراثيم فيراني أحد المحسنين ويعطيني مالاً . لا تتعدى عملة واحدة , ما أشد لؤمهم هؤلاء المحسنين , لم يزد أحدهم يوماً عن عملة واحدة . أتمنى أن أقذفها في وجوههم , لكنّي أحتاجها , أُنظر إليّ , أنا يتيم وقدمي مبتورة وأحتاج أن يحسن عليّ الناس , أتمنى أن يعطيني أحدهم مئة أو مئتان , تخيل معي رجلاً بائساً يفعلها . هل تعلم متى قد يحصل ذلك ؟ لو كان هذا الرجل سبباً في بتر ساق طفل , سينظر إليّ ويعطيني مئة أو مئتان لأنه يشعر بالذنب . أُنظر إليّ ؛ أقف أمام النجّار ويقول لي سأصنع لك عكازاً , أنت لا تعلم أني كنت أسير بحديدة أضعها تحت يدي , أُنظر أسفل يدي المشوّه , أخبرني النجّار أنه لا يستطيع صنعه اليوم , فصُنع العكّاز يأخذ وقتاً , سألته هل ستأخذ مقاساتي الآن ؟ نظر إليّ وقال أنا لست ترزياً , أنا نجّار وأستطيع صنع عكّاز مناسب بمجرد النظر إليك . وبالغد صنع لي عكازاً أطول منيّ , لئيم هذا النجار . ومقاسات عمله دائماً خاطئة . كنت أعلم أنك تنظر إليّ كل يوم , أجلسُ على الرصيف وأنتظر أن تفتح النافذة وبيدك الكوب الأزرق , كنت أقول لأصدقائي مبتوري القدم هذا سيكون صديقي الوحيد ذو القدمين , أحب كوبك الأزرق , هل كنت تفتح النافذة في هذا الوقت بالذات كل يوم من أجل أن تنظر إليّ ؟ أنا أيضاً كنت أجلس في هذا الوقت لأراك , أشعر أن روحينا متشابهتين , كلاهما مبتورتان , لكن .. هل ستجعلني أشرب من كوبك الأزرق ؟

بسمعك بالليل ..

الخميس, أبريل 9th, 2009

(0)

شعرت بالملل , فقررت كتابة قصة !
بالأمس أتاني هذا الشعور وصددته , أخبرت نفسي أن العمر الجيد لكتابة قصة هو الثالثة والسبعين ؛ ولعلكم تتساءلون الآن لماذا أكتبها إذاً و أنا لم أبلغ بعد هذا العمر !؟ ببساطة هو زيادة شعوري بالملل للحد الذي أجبرني على البدء بكتابتها الآن ؛ ليس غريباً رغبتي في كتابة قصة , أردت أن أكون رساماً وفشلت ! وبكل صدق أعتقد أنه لترسم لوحة جميلة يجب أن يستغرق منك رسمها سنتان على أقل تقدير , ولست قادراً على رسم لوحة في سنتين لأني شديد الملل كما أخبرتكم ، و لأني أخشى أن ما أرسمه ربما لا يكون جيداً بالقدر الذي استغرقه هذا الوقت الطويل ؛ سيقتلني تعليق أحدهم " لوحة جيدة ولكن .. " أو يسألني بسذاجة كم استغرق منك رسمها وحين أخبره بالحقيقة ينعتني بالكاذب . أردت أيضاً أن أكون شاعراً وموسيقياً ومخرجاً واقعياً على الطريقة الإيطالية , وبالنهاية وجدت أن كتابة قصة عمل جميل ولا يصيبني بالسأم ؛ والسبب الأهم هو أني لست حقيقياً بالقدر الذي يخولني لممارسة إحدى هذه الهوايات المذكورة أعلاه , هل رأيتم ظلاً يرسم ؟ أو ظلاً يملك ديوان شعر ؟ أو ظلاً يُخرج أفلاماً على الطريقة الواقعية الإيطالية ؟ ليس من ظل يفعل هذه الأشياء , لكن لكوني ظلاً استثنائياً رأيت أني قادر على كتابة قصة ؛ و مهما كانت هذه القصة رديئة وشديدة السوء يكفيها فخراً أنها القصة الأولى التي يكتبها ظل !

 

(1)

في اللحظة التي أُدخل فيها القبر قفزت !
لم يلحظني أحد , فالجميع كانوا مشغولين بتشييع جنازة الرجل , وكذلك في جعل حزنهم المصطنع شديد الواقعية يحسدهم عليها أبطال هوليوود . لم يحفل بي سوى أحد الصغار الذين جاءوا مع آبائهم لحضور الجنازة , كان مندهشاً لرؤيتي , جحظت عيناه وتسمّر في مكانه وأخذ يشدّ قميص والده المنهمك في حثي التراب على القبر ومسح العرق المتراكم على جبينه برسغه ؛ شعرت بالرعب من نظرات هذا الطفل , لم تكن بريئة على الإطلاق , تبعتني إلى كل مكان , كانت نظراته حاقدة وكأنها تبصق عليّ ؛ ركضت بسرعة هرباً من نظرات الطفل , وحتى لا يجد الوقت الكافي ليخبر الجميع بما رآه ؛ كان الجو خانقاً في المقبرة كجهنم , ثم أخذ بالتحسن حالما ابتعدت عنها , لا أدري أتكون المقابر عادةً مختلفةً اجواءها عن الخارج , أم كان ذلك اليوم المجنون استثنائياً ؛ كنت أتنفس بغرابة وودت لو أمسك الهواء لأضعه في فمي , رأيت جداراً وهناك اتكأت وأخذت أتنفس الصعداء , ربما يأتي في أذهانكم الآن أني أكذب , فكيف لظل أن يتنفس وهو لا يملك رئتين , جرب أن تلتفت الآن إلى ظلك وأن تتنفس .. أنظر إليه إنه يتنفس معك ؛ هذا هو السبب باختصار , فأنا اعتدت أن أتنفس الصعداء مع صاحبي – إن جاز لي أن اسميه صاحبي – رحمه الله , حين يركض أو يصعد سلماً طويلاً أو يفعل أشياء أخرى لا أستطيع البوح بها فهو الآن ميت وأنا لا أحب أن أتحدث بالسوء عن الموتى , الغريب أيضاً أني شعرت بالعطش بعد ركضي الطويل هذا , وشعرت بالحزن ! أردت البكاء ولم يكن بمقدوري ذلك . لا أستطيع أن أخفي أني تمنيت موته يوماً , والآن أشعر بالندم على ذلك , فهو لا يستحق أن يموت ؛ وإن تمت مقارنتي بباقي الظلال فسأجد نفسي محظوظاً لكوني معه . لم يكن بيننا خلافات من أي نوع , بل على العكس تماماً كان يعاملني باحترام شديد يثير حسد أقراني من الظلال . سافرت معه إلى مدن كثيرة , وتعرفت برفقته إلى نساءٍ كثيرات , من هنا أصبحتُ خبيراً في التعامل مع النساء , أتمنى الآن لو كنت رجلاً حقيقياً حتى أطبق خبرتي هذه على أرض الواقع , بالطبع لن أتذاكى عليكم وأخبركم أني كنت ملازماً له طيلة الوقت ؛ كنا ثلاثة ولا أريد الحديث إلا عن نفسي . ولأني أعلم أن هناك اثنان آخران يسجلان كل شيء ولكن في الحقيقة لم أرهما مطلقاً وعليه فإني لا استطيع الحديث عنهما . أعود بكم إلى السبب الذي جعلني أقفز من القبر , كنا نحن الظلال نتساءل فيما بيننا , لماذا نحن مرتبطين بهؤلاء البشر ؟! لماذا حين يموتون نموت معهم !؟ نحن الظلال لا نموت أبداً , و لا يحق لأحد أن يدفننا أحياء , نحن لا نحب أن نعيش تحت التراب , فهناك أشياء مرعبة تحصل لا نقوى على احتمالها , وإن كانوا مصرين على دفننا فيجب أولاً أن يطلبوا الإذن منا , نحن ظلال مستقلة ولسنا تابعين لأحد . في الحقيقة لم يجرؤ أحد على تنفيذ هذا الأمر الخطير , وكان أول من دُفن صاحب هذه التساؤلات , رأيته بنفسي يدفن دون أدنى ممانعة منه . أما أنا فقد قررت في داخلي أن أكمل حياتي بعيداً عن صاحبي رحمه الله , لا أعتقد أن هذا الأمر يسوؤه , بل على العكس من ذلك حين يعلم أني قفزت من القبر سيشعر بالسرور . صاحبي هذا يحب الحياة , ويحبني كذلك .. أو هكذا أظن ! بالنهاية قفزت من القبر , لم أصدق ما حصل , شعرت بالذهول لأني فعلتها , و وددت لو أصرخ بأعلى صوتي لأخبر جميع الظلال أني الآن حر , يجب أن تفهموا أن لكل شيء في هذه الحياة صوت , وأستطيع أن أخبركم أيضاً أننا معشر الظلال نستطيع فهم جميع الأصوات التي ينطق بها جميع المخلوقات , هل تستوعبون مدى الإثارة التي نشعر بها !؟ أن تفهم الآخرين ولا يفهموك ؟ بالنسبة لي أجد متعة حقيقية بسماع الأشياء المختلفة وتحليلها ؛ لعل ذلك من أهم الأسباب التي جعلتني أقفز من القبر , فأنا لا أريد أن أفقد متعتي بسماع الأصوات وإعادة نطقها أمامهم دون تمكينهم من معرفة مصدرها لأثير الرعب في نفوسهم , أضحك حينها حتى أستلقي على ظهري وأنا أنظر إلى بكاءهم وتوسلاتهم , وأتبعهم وهم يهربون إلى أمهاتهم ليطلبوا النوم بجانبهم دون إبداء الأسباب الحقيقية لذلك , هل أثير غضبكم حين تعرفون أني مصدر هذه الأصوات !؟ أطلب منكم أن تتفهموا أسبابي , فأنا لا أملك ما أرفهّ به عن نفسي كما تفعلون أنتم , وأصاب دائماً بالملل , هذا مايضطرني للتسلية عن نفسي بالعزف على وتر الخوف في نفوس الآخرين . أعلم أن الإنسان لديه من الشر ما يكفيه , وربما يطلب أحدكم الآن أن أعلمه كيف يأتي بهذه الأصوات ليرعب الآخرين . بالنسبة لنا فنحن متفقون تماماً على أن هذا الأمر سيء ومعيب كذلك , وهو ما يجعلنا مميزين ومتفوقين عليكم , ما يعتقده ظل واحد هو بالتحديد ما يعتقده باقي الظلال , أما بالنسبة لكم فأخبروني عن أمرٍ واحد تتفقون عليه ؟ لا شيء أبداً .. لذلك أستطيع أن أجاهر بقولي أن البشر لازالوا متخلفين وهمجيين بالمقارنة معنا , ويلزمهم وقت طويل ليتعلموا !

 

(2)

يوم ولدت , شعرت بالرعب !
لم أستطع بحجمي الصغير استيعاب البكاء والضحك الموجودان في نفس المكان , هذا الأمر أصابني بالإرباك ولم أقدر على تجاوزه إلا بصعوبة شديدة , كان صاحبي المولود للتو يبكي دون انقطاع , يقولون أنه يبكي لأن الشيطان لكزه , أما أن فأعتقد أن بكاءه خوفاً من الخروج إلى الحياة , لعلّ الأجنّة تحذر بعضها أن الحياة ليست جيدة بالقدر الذي يصوره الناس , وأن البقاء في بطون أمهاتهم أجدى لهم ؛ بالنسبة لي لم يكن لدي أم و أب يضحكان من أجلي , ولا أعلم كيف جئت إلى الحياة , فتحتُ عيناي ووجدتني ! وحين لم يلتفت لي أحد علمتُ أن لا قيمة لي , فشعرت بالوحدة . هذا الشعور لازمني طيلة حياتي ؛ كنتُ دائماً ما أقول أن الأحداث الضخمة حين تنتهي وتبدأ بكتابتها من جديد تظهر صغيرة وتافهة ولا قيمة لها , لأننا لن نستطيع فهم الأشياء حتى نعيشها حقاً , و أنا أفهم ما معنى أن تكون وحيداً ؛ يشبه الشعور الآتي من عجزك عن الوقوف فتبحث عن من تستند عليه ولا تجد .. فتموت تحت الأقدام , يشبه رغبتك للحظات في البوح بكل شيء ولا تجد من يستمع إليك فتقوم برمي نفسك من النافذة . الوحدة تعني الجحيم , وتخيل أنك تعيش طوال حياتك منبوذاً , وتعرف أنك ستبقى منبوذاً إلى الأبد , تخيل مقدار هذا الجحيم المضاعف . حاولتُ منذ أن كان عمري دقيقة أن أتحدث معهم دون جدوى , حتى يئستْ وعلمتُ بعدها أني مهما حاولت فلن يستمعوا إليّ . ربما كانت هذه رغبة الله , فهو يحب البشر ولا يريد لهم أن يسمعونا حتى لا يصابوا بالرعب , لو استمعوا لنا لكانوا جميعاً الآن مجانين . وبعد أن كبرتُ قليلاً رأيتُ أنه في كوني غير مرئي وغير مسموع بعض المميزات , والآن أرى في ذلك كله مميزات , وأن الله يحبني كثيراً بأن جعلني ظل . منذ اللحظة الأولى شعرتُ بأني مختلف , و أحببت نفسي لهذا السبب , في الحقيقة لم أفهم بعقلي الصغير ما معنى أن يحب الظل نفسه , لكن أحسست أن باستطاعتي القيام بأشياء لا يقوم بها أحد غيري , كنت أتمدد ! كان يصل حجمي في بعض الأحيان إلى حجم عشرة رجال . من هنا علمت أن الحياة لا تملك منطق وأنها شديدة العبثية . كنت لا أفارق صاحبي طوال الوقت , كان يشعر بالرعب هو أيضاً لأنه صغير ولا يفهم شيئاً حوله , غير أنه كان يستطيع أن يعبر عن رعبه بالبكاء أو بالشكوى إليّ , أردت أن أقلّده وأبكي لكن لم أستطع . أكثر ما أشتهيه هو البكاء , لو أن الله يستمع إليّ يوماً لطلبت منه أن يسمح لي بالبكاء , لا أدري ما يمكن أن أشعر به حينها , لكن أعتقد بأني سأحصل على السعادة الأبدية , السعادة الآتية من كونك تسير في طرقات الجنة بزهو , وتسلّم على الملائكة . السعادة الآتية من شعورك بأنك خالد , وأنك لا تفنى . لا يفهم الإنسان أن في كل دمعة تنزل منه يخرج معها غضبٌ كامن فيه , ليس البكاء فعل راحة وحسب , بل فعل مشاركة , إن كل قطعة في جسدك تعبّر عن نفسها بدمعة تخرج من عينك ؛ فالظلال لا تبكي لأنها لا تعرف الألم  .

 

(3)

جعلت أمي الشمس !
كنت أتبعها كما يتبع صاحبي أمّه , كانت ترضعني بنورها نهاراً وترحل مساءً لأنام , الغريب أني لم أكن أشعر بالحنين إليها حين ترحل , كنت أشتاق لي , لرؤيتي , لانكماشي حين تفسدني بالدلال ظهراً , وتمددي طويلاً قبل أن ترحل . حاولت أن أتحدث إليها وأبكي كما كان يفعل صاحبي مع أمه , لكنّها لم تكن لتستمع إليّ ؛ تأتي بغتة وترحل بغتة . بعضهم يقول أنها لا تتكلم لأنها لا تملك الوقت الكافي للحديث , فهي ما إن تختفي هنا حتى تظهر هناك ؛ البعض الآخر يقول أنها مُتعبة , فهي مذ خلقها الله قبل ملايين السنين لم تهدأ قط وفقدت قدرتها على الحديث , أما أنا فلا أشعر أنها متعبة , رأيتها يوماً تبتسم لي وأنا صغير , أقسم أنها ابتسمت لي ؛ كنت بحاجةٍ إلى هذه الإبتسامة كي أشعر أنها معي دائماً حتى وإن لم تتحدث , وأنها أمي . وهكذا أخذ عمري يزيد وأنا لا أعرف لي أماً سواها ؛ كنت أعتقد أيضاً أنها ليست أمي وحسب , بل أم جميع الظلال في هذا العالم , والعوالم الأخرى إن وجدت ؛ ثم بعد أن كبرت أكثر عرفت أنها لم تكن سوى شمس , وأن قدري أن أحيا بلا أمٍ أو أب . الظلال وحدها هي من تأتي من العدم , من اللاشيء , وتذهب إلى العدم بلا شيء , كل المخلوقات تأتي من أبوين إلا نحن , وأنا حتى هذه اللحظة لا أدري لما . المهم أني ماعدت أهتم كثيراً لهذا الأمر , واستطعت التعايش معه . من المهم معرفة أننا معشر الظلال نولد مكتملي العقل , أي أننا لا نمرّ بمراحل التطور التي يمرّ بها الإنسان , وإن كنّا بشكل أو بآخر مرتبطين بهم من ناحية نموّنا الجسدي ( إن كان يصحّ لي قول ذلك ) , كانت مشاهدة نمو صاحبي وبالتالي نموّي أنا مسلياً لي ؛ كم كنت مفتوناً بصاحبي في صغره . ليس ذلك من أجل وسامته الشديدة وحسب , بل لأنه لم يكن طفلاً عادياً . كان فائق الذكاء , وكنت أحب فيه أدبه , لم يكن شقياً كباقي الأطفال . كان أبواه يدللانه كثيراً , واستمر هذا الدلال حتى إلى حين توفاه الله , كانت تعجبني الطريقة التي تلبسه فيها والدته , طريقة سيره على أطراف أصابعه , وحديثه بصوته الخفيض الذي لا يكاد يُسمع , كانت رؤيته تشعرني بالسعادة ! أتذكره الآن وأشعر بغصة عميقة لإرتكابي تلك الحماقة , ماكان يجب عليّ أنا أتركه وحيداً يواجه قدره المؤلم بمفرده . إنها تمطر الآن , تمطر بغزارة , أعشق المطر والسير تحته , سرت مسافةً طويلة وأشعر بقدماي تؤلماني . ولكن زخات المطرّ تهوّن عليّ وتخفف حرقة قدماي ؛ لا أدري إلى أين أتجه , قلبي ممتلئ حزناً وأشعر أن ثقل هذا العالم يربض على صدري . يرتبط المطر عندي بالحزن , صاحبي ليس قديساً ولكنه حينما كان يشتد حزنه .. تمطر السماء , فيذهب عنه حزنه , كانت تمطر من أجله ؛ أشاهد ذلك في كل مرة , وأصاب بالذهول , أيعقل أن تبكي السماء لبكاء أحد ؟ هل هي تمطر حزناً على فقده الآن ؟ كان السيّاب لم يرى في المطر إلا صورةً للحزن والفراق والجوع والموت والظلام والبكاء . أشعر بكل هذه الأشياء الآن , وأنظر إليها مجتمعةً فيّ كما رآها تغزو قلبه المسكين ؛ أشعر برغبة عارمة في التحدث مع أي كائن , لم أشاهد أي ظلٍّ يعبر من هنا . إني فارغ , فارغ سوى من زخات المطر هذه التي تخترقني .

 

(4)

" إن أردت أن ترعب أحداً اكسر النافذة , وإن أردت قتله اقرع الباب " ( مثل ظلالي )
هذا ما يفعله بي الليل , يكسر نافذة ذاتي ويقتلني رعباً في كل لحظة . لا أخاف شيئاً في هذه الحياة كما أخاف الليل , أعرف أن الكثير منكم يعشقونه , ويقضون حيواتهم كلها في الليل , يغنون له ويدبّجون قصائدهم مديحاً فيه , ولكني أخافه , أخافه . مامن شيء أخشاه في هذا الكون خشيتي من العتمة , من الليل وسكونه المميت .. وأعشق الضوء , أتنفسه . وأهيم بصخبه , شعور الراحة لا يوازيه أي شعور آخر ؛ سأتحدث بلغةٍ تفهمونها , عن الحب . تستطيع أن تحب ماشئت , لكن ربما لن يمنحك هذا الحب شعوراً بالراحة , وعلى العكس من ذلك يحدث كثيراً أن تجد راحتك في اشياء ربما أنت لا تحبها , أو مع أشخاص لم يصل الأمر بعد لأن تبادلهم الحب , من أجل ذلك كانت الراحة أعظم من أي شيء آخر , هذا ما أجده في النهار , في الصباح تحديداً , لحظة الشروق إن شئت الدقة .. الراحة ؛ علاوة على ذلك فإني أهيم به عشقاً , تخيل أن يجتمعان معاً : الحب والراحة , لن تستطيع تصوّر ذلك حتى تعيشه . لاتستغربوا حديثي عن النهار بهذا الشكل , ياسادتي يجب أن تعرفوا أمراً : أن الظلال هي الظلال , لا يبدلنا شيء في هذه الحياة . ونحن منذ اللحظة الأولى التي أوجد الله فيها الأشياء , ظهرنا نحن .. منذ ملايين الملايين من السنين , ولم نتغير , ولم تتبدل اهتماماتنا . لا أدري أيكون ذلك أمراً جيداً أم سيء , أخبروني أنتم بذكائكم الفذ ! يبدو أنكم تعرفون كل شيء في هذه الحياة , هذا ماتعتقدونه أليس كذلك !؟ حسناً سأخبركم الحقيقة .. أنتم فعلاً تعرفون الكثير عن كل مايحيط بكم , عن الله والكون والظلال والطيور والأزهار وغيرهم الكثير , لكنكم في الحقيقة لا تفقهون أي شيء . المعرفة لا تقاس بحجمها , ولكن بتقدير قيمتها ؛ مافائدة معرفتك أن هذا الطائر هو نوع من العصافير دون فهمك لما تقوله العصافير !؟ هل يعرف الإنسان بذكائه الذي لا يقاس أنه لا يمكن لمجموعة طيور أن تتحدث معاً !؟ ولا يمكن للطير أن يتحدث سوى مع طيرٍ واحد لا أكثر !؟ أنظروا إليكم , يتحدث مئة إنسان في وقت واحدٍ مع بعضهم البعض ورغم ذلك تتدعون الذكاء . أخبرني أيها الإنسان الذكي , هل سمعت عن طائر يقول أنا الله !؟ عوضاً أن يقول هذا حديث خرافة وأن لاشيء هناك اسمه الله ؛ أخبرني أيها الإنسان الذي يدعي استيعابه لدقائق هذا الكون هل تعرف التواضع !؟ . " الإنسان كائن ذكي , لاشك في هذا , ولكن ليس إلى الدرجة المطلوبة " . هذا الكلام لم أقله أنا وإنما أحد كتّابكم المحترمين . الوصول إلى هذه الفكرة ليس بالأمر الهيّن , وبالرغم من ذلك لاتزال فضيلة التواضع بعيدةً عنكم كأبعد نجمٍ في أبعد مجرةٍ خلقها الله . ذلك لأن قلوبكم مليئة بالظلمة , وهذا مايجعلني أنتفض رعباً منكم . نحن نرى قلوبكم ياقوم , نراها وأنتم لاتعلمون , وحتى إن علمتم فلن يبدل ذلك شيئاً . أشعر أني أرتكبت حماقة بفعلتي تلك , أشعر بالندم الحقيقي . حقّت عليّ الضلالة !

بسمعك بالليل

B&W

السبت, أكتوبر 11th, 2008

* آه , لا أدري كيف أجيبك على سؤالك هذا .. كان الأمر صعباً في البداية ! لكن استطعت التعايش معه , كنت أجد ما يهوّن عليّ .. الذهاب إلى الصيدلية والسؤال عن كريم زبدة الشيّا .. أعلم أن هذه الصيدلية التي تحتوي على كل شيء لا تبيعه , أتأمل قسمات البائع حين يخبرني " لا يوجد , ولكن نستطيع تأمينه لك في أقرب وقت " .. رؤية الفشل على وجهه تشعرني بالتفوّق , تبدأ عيناي بالضحك , ووجهي القبيح الذي تسألني عنه يتحول تدريجياً إلى جميل , أشعر أني بينغو !
– بينغو ؟
* بينغو , انتصار , فيكتوري , نعم فأنا أرفض الهروب وأحاول أن أخلق تفوقاً من أي شيء , الأمور التافهة تحديداً , هذا ما يدعونه عقدة النقص وتعرفه يا صديقي صحيح ؟ لكن بالنسبة لي ليس كذلك , هو بالتأكد عقدة لكن ليس نقصاً , فوجهي كامل حتى وإن كان قبيحاً , لعلها عقدة الكمال القبيح هاه ؟ تضحك ؟ قد تجد ما أقوله مسلياً ولكنّه ليس كذلك , ثق بي يا صديقي ! إنه ليس كذلك , فأنت لم تعاني بوجهك الجميل كما كنت أعاني , لم يتهامس بك أحد حينما تمرّ من أمام طاولة صدئة بمقهى ممتليء بالجرذان لتسمعهم يقولون يا للمسكين ! شكراً لله أني لم أكن مكانه وإلا قتلت نفسي , أنت لا تعرف شعور أن يقرف من السلام عليك أحد , أؤكد لك يا صديقي العزيز أن ذلك ليس مسلياً على الإطلاق وأنه كان يقتلني في اليوم ألف مرة !

 

* للأمانة الأدبية قمت بنشر المقطع الأول منها في وقتٍ ما في مكانٍ ما بإسم رولان بارت : )

الحياة بوجهات نظر مختلفة (1)

الجمعة, مايو 9th, 2008

الحياة من وجهة نظر خبزة ..

أنا خبزة , جئت إلى الحياة قبل يومين , وسأرحل قريباً , نحن الخبز لا نعمّر طويلاً , لأننا لا نملك وسائل دفاع كالتي يملكها الإنسان على سبيل المثال , على الرغم من أننا نشترك معهم بصفات كثيرة , فنحن يوجد لدينا خبز أبيض وخبز أسمر , وخبز طويل وخبز قصير , ولدينا خبز جميل يذهب للأغنياء , وخبز مخصص للفقراء فقط , نحن الخبز أعدادنا كبيرة , وأعتقد أننا نصل في اليوم الواحد إلى 10 مليارات خبزة , ولكن لم نفكر يوماً في السيطرة على الأرض لأننا مسالمون , سمعت الكثير عن الإنسان لذلك أنا ممتنة كثيراً إلى الله أن عمري قصير !

الحياة من وجهة نظر زرعة ..

أنا زرعة , وأشعر أن الحياة باعثة على الشقاء , وأحب أن أموت , بالأمس فقدت أمي , لذلك أنا حزينة وذابلة , بالمناسبة أنا غاضبة على هؤلاء البشر , لأنهم قساة ومجانين , أنا غاضبة و أود لو أن الله يخسف بهم ليكفوا عن قتلنا وقتل العصافير , ولكن أجد عزائي أنهم يقتلون أنفسهم أيضاً , هؤلاء البشر المجانين !

الحياة من وجهة نظر مكيف ..

أنا مكيف , ولا أعلم سبب هذه التسمية لأنها غريبة , وأشعر أحياناً أنها غير لائقة , في المرة الأولى التي أتيت بها من أمريكا إلى هنا بعد رحلة شاقة وطويلة كانوا يسموني كنديشن , أعجبتني هذه التسمية , ثم استيقظت يوماً وإذ بهم ينادوني مكيف , فشعرت بالغضب وقمت بالإضراب حتى يعيدوا لي اسمي , وحين لم يستمع إليّ أحد عدت إلى العمل من جديد , يقولون أني مزعج , في الحقيقة هذا غير صحيح , ومن يتفوه بهذا الهراء عليه أن يخجل من نفسه , فأنا أرى أشياء مريعة تحصل أمامي ولم أتحدث عنها يوماً , لأني في الحقيقة كتوم ولا أحب أن أفشي سراً , ليس لدي تعليق عن الحياة , ولكن أعتقد بأنها جيدة لولا هؤلاء البشر ناكري الجميل !

الحياة من وجهة نظر الموت ..
 
أنا الموت , وأود طرح تساؤل يشغل فكري كثيراً , لماذا أنتم تسمون هذا الشيء حياة , لأنها مستمرة !؟ ستنتهي يوماً وسأبقى , أنا الحياة !

كاروهات ,

الإثنين, مارس 3rd, 2008

جاءت إليه وهي تسير بخطى ثقيلة , كان هناك شيئاً يحثها على الإسراع في مشيها لكنها لا تستطيع , كان رأسها ثقيلاً وهو السبب في جعلها بطيئة , و كان هو يعلم ما جاءت به , فقد كان يعتقد بأن لديه حواس كثيرة , أكثر من التي يملكها باقي البشر , و أنه لو قدّر له أن يعيش قبل ألفيّ عام لكان الآن نبي , كان مستلقياً على الأريكة المصنوعة من خشب رخيص الذي سرعان ما اختفت الأسفنجة التي عليه , فأصبح يجلس على الخشب , لذلك يشعر بآلام في ظهره طوال الوقت . " وسّع لي " طلبت منه , لم يكونا معتاديّن أن يطلب أحدٌ أن يفسح للآخر , لم يكن هناك داعٍ للطلب . ثم قالت له : " سأتزوج " , كانت تنظر إليه و عيناها جاحظتين مليئتا بالدم , لم ينظر إليها وبقي نظره معلقاً بالسقف , ولكن شعر بأن رأسه أصبح ثقيلاً , فأخبرها عن أمنياته وهو صغير أن يكون لديه كرسياً هزاز . أخبرته أنها لا تملك خياراً وأنها انتظرته طويلاً حتى نضبت , وأن الأحلام لم تعد تأتيها حين تنام . " ضحك والدي حينما طلبت منه أن يشتريه لي , وقال إني مازلت صغيراً على دخول نادي مالكي الكرسي الهزاز " قال لها ذلك و رأسه يزداد ثقلاً عن كل مرة حتى أصبح كصخرة عظيمة لا يستطيع أن يحركه , فغضبت منه لأنه لا يستمع إليها جيداً , ولا يدرك خطورة الأمر الذي تتحدث عنه , فأجابها أنه يشعر بالسأم , وطلب منها أن ترضعه , ففعلت ثم رحلت .. وعاش طوال حياته برأس ثقيل !

Fin

السبت, ديسمبر 29th, 2007
حقيقة كوني طاريء هذا لا يغير من الأمر شيئاً , فأنا لا أحب الإطالة , فقد خلقني الله من عجل , لذلك مللي كان أمراً طبيعياً , و يعجبني على كل حال , يعجبني نعم , فأنا لم أدعي الطهر يوماً لأني أعرف أني خُلقت على عجالة من طين الدنيا وليس من طين الجنة , و لا يغضبني هذا الأمر إطلاقاً , فلعله خير , ربما لو كنت من طين الجنة لما كنت أقف الآن أمامكِ مبرراً كوني طارئاً و ملولاً , الحقيقة أني أعلم مقدار التغيير الذي أوجدته فيكِ , خلقني الله عابثاً و كاريزمي في آن , بإستطاعتي تغيير كل شيء , و قد استطعت , رغم كوني لا أملك شيئاً إلا أني استطعت أن أغير فيكِ أنتِ الفتاة المترفة التي لا يعجبك شيء كل شيء , لكنتُ باقياً معكِ الآن لولا أختكِ الكبرى كانت لي شوكة , أذكر المرة الأولى , المرة الأولى حينما كنت أقف مستنداً على جدار و ارتدي شورتاً يغطي ركبتاي و كت , يوم بعثت لك بالخاتم الذي أعدتيه لي , كنت أنظر إلى رسولي و هو مرتدياً ثوبه وشماغه و يسير خلفكِ يريد أعطائكِ الخاتم , كانت أختكِ الكبرى تراني , لم تكن منشغلة بذلك الغبي الوسيم الذي يلاحقهم بالهدية , بل بالواقف مستنداً على جدار , بعيداً و لا يكاد يبين , كأنها علمت أني مهندس كل ما يحصل الآن, و علمتْ أن أختها الصغرى التي ربتّها ستطير عنها محلقةً خلف هذا البدوي الذي يرتدي شورتاً و كت و يكتّف يداه و لم ينبس بحركة مذ رأته , رغم إنها تكره الرجال منذ أن هجرها عشيقها لا أدري إلى أين , إلا أنها توسمت فيّ خيراً , رأيت ذلك في صوتها و هي توصيني بكِ خيراً , كانت تحدثني كثيراً , تخطف منكِ الهاتف لتقول لي شيئاً تذكرته , و بعد أن تنتهي تقول لي هل سلّمت عليك ؟ و أنا لا أرى فيها إلا الشوكة , الحقيقة أن ابتعادكِ عني الآن كان بسبب النزاع عليكِ , كنت أريدكِ حرة و كانت تريدكِ حبيسة أمرها , أخذتكِ عنها بعيداً و عن كل شيء , لم يكن هناك في العالم سواي , و أنا أيضاً لم يكن لي في العالم سواكِ , ذاكرتي ضبابية إلا منكِ , شيء مريب أن لا يكون في ذاكرتي من تلك السنوات غيرك , أذكر مللي الكثير , و أذكر المرة الأخيرة حينما قلت لك وصلنا النهاية , و بكائكِ الذي لم يكن يهز فيّ شعرة , وقتها لم أكن مهتماً لبكائكِ بل كان فكري مشغولاً بالغرفة التي كنت فيها , كانت فارغة فارغة سوى من صدى صوتي , كنت أقول النهاية , و يرتد إليّ صوتي ملعوناً بالنهاية , لم يكن بها سوى فراشٍ بسيطٍ أنام عليه لا أذكر لونه , كنت حينها في المدينة المستقيمة و كنت فقيراً , كان بيتنا فارغاً من كل شيء , إلا من صدى النهاية التي بقيت لعنة فيه , كنت فقيراً حينها و لا أدري لما كنت أحب , لم يخلق الحب للفقراء , فالحب غالي الثمن , متطلباته أكبر من أن يوفي بها فقيٌر مثلي , لعنت الحب والفقر معاً حينما اتصلتي بي تطلبين مجيئي فوراً , كانت هناك مفاجأة بإنتظاري , صورك التي طلبتها منذ زمن أخبرتني أنها جاهزة الآن لآخذها , فأخبرتكِ أني سآتي حالاً , و الحقيقة أني لم أكن أملك سيارة حينها – و لا أزال – , و كان الجنون يعبث بي و أنا متكئٌ على عتبة المنزل أدخن , فخطرت لي فكرة أن أسرق سيارة لآتيك , تذكرت بدوراني الكثير في الشوارع أن هناك جمساً بابه لا يُغلق جيداً , فسرقته ! كنت أسير على الطريق بسرعة جنونية , لم يكن تفكيري وقتها فيما لو خرج صاحب المنزل و لم يجد سيارته في مكانها ماذا سيفعل ؟ بل كان تفكيري أن سرقة الجمس خطيرة , فأنا أسير الآن بقبرٍ متنقل , كان همّي ماذا لو أن أحد الإطارات غير جيد فأنقلب ؟! كنت أسير بسرعة جنونية حتى وصلت إلى منزلك ووقفت أمام الباب وأخذت الصور منك و عدت إلى السيارة ولم أتحرك , و إنما بقيت اتأمل فيها و بجمالك العذري و فستانك الأسود و شعرك المنسدل , ثم سرت فرحاً ليس لأني أحمل صورك فحسب , بل كنت معجباً بصوت الجمس القوي , كان حيكم الراقي مليئاً بالمطبات الاصطناعية و كنت وراء كل مطب أزيد من السرعة فيأتي صوت الشكمان مهيباً , ثم عدت أيضاً بسرعة جنونية و أعدت السيارة إلى صاحبها , فكوني سارق لا يؤثر بكوني نبيل , الشيء الذي لم يفارقني أبداً هو صوتك , رباه كم كان صوتك مختلفاً , كان صوتاً سكناً يبعث الطمأنينة في قلب من يسمعه , كان حديثك معي خليطاً بين العربية و الأنجليزية , كنت أعشق حديثك بالأنجليزية و طريقة لفظك للكلمات , كان منتهى سعادتي حينما تقولين لي ( كوم اون ) و أنا الذي كنت أنطقها ( كمان ) , كنت أحبك حينما تتحدثين , أحاديثك بريئة وصافية , و حينما أحدثك أنا لا تفهمين شيئاً من بداوتي , و رغم ذاك كنتِ تحبينني , أنا الكاريزمي الذي جعلتك بدوية مثلي , و علمتك كيف ( تشبين النار وتسوين الدلة ) , بعد أن كانت أحاديثك كلها عن بيتكم الصيفي في جنيف , و والدتك التي تصرّ على والدك أن يشتري شقة أيضاً في لندن لأنها ملّت من جنيف , و ملل الناس مختلف عن مللي أنا الطاريء المخلوق من عجل , كنت أملّ أيضاً صوتك الجميل و أنام وأنتِ تتحدثين , لم تكوني تغلقين الهاتف حينما تسمعين نفسي المتصاعد , تظلين منصتة له حتى أستيقط بعد ساعات فأجدكِ على حالك , فأطلب منك إكمال حديثك و تتمينه , لم تكوني تغلقين الهاتف حين أنام , من أجل ذلك أتى صدى صوتي ملعوناً في تلك الغرفة الفارغة من كل شيء إلا النهاية !

هكذا !

الإثنين, نوفمبر 26th, 2007

منذ أن دخل حياتي قتلني ..
– كيف ؟!
كحصان طروادة !
– كيف ؟!
خدعة !
– كيف ؟!
أضحكني حتى مت !

لامرأةٍ خانت الوقت !

السبت, نوفمبر 3rd, 2007

حينما أنظر إلى القمر أتذكرك , يشبهك تماماً , فهو مثلك جميل و بعيد , ولا يأتي إلا قليلاً !
اعتدتِ دوماً المجيء أول خميسٍ وآخره من كل شهر , حينما أكون وقتها في النزع الأخير .. تأتين كأنك آلهة تخونين ملك الموت والقدر معاً , فتهبين الحياة مرة أخرى لنفسٍ تحتضر , وتعيدين بناء ما تهدم فيّ .. فأبدأ بالبكاء , بكاء من ولد للتو !
أنا لا أعرفك , ولم اسألك يوماً من أنتِ ؟ وكيف أتيتِ ؟
كنا دوماً صامتين .. سوى من ابتسامةٍ تأتي منك , ويدٍ متعبة تعبث بخصلات شعرك , لم اجرأ على سؤالك سوى مرةً واحدة , ” لماذا أنا ” , ولم تجيبي سوى بـ ” لم تسقط ورقتك بعد ” !
و تبقين طويلاً لثوانٍ ثم ترحلين !
في هذا الخميس لم تأتِ , ولم يتبقى بيني وبين أن أموت سوى خطوة , كانت عيناي معلقتان على الباب تنتظر دخولك , كانت دموعي قد بدأت بالصراخ , وبدأ قلبي بالصمت , لم أكن أريد الموت , لا أريد أن أموت .. ورغم ذلك لم تأتي !
عرفت حينها أن ورقتي قد سقطت , وأني بدأت بالنوم الطويل !