أزرق

أُنظر إليّ ؛ قدمي مبتورة , لا يهمك أن تعرف كيف حصل ذلك ومتى , لازلت طفلاً وأنسى ذلك , لكن أمامي عُمراً طويلاً لأتذكره كل ليلة . أُنظر إليّ ؛ أقف أمام بائع الخضروات فيعطيني حبة طماطم , دائماً ماتكون الطماطم فاسدة , لئيم هذا البائع ومحله مليئ بالذباب , أقف بعيداً ويعتقد أني أشعر بالخجل , لا يعلم أني أهرب من غابة الذباب في دكّانه . أُنظر إليّ ؛ أقف أمام الدكان فيسألني البائع ماذا أشتهي , أهز له بكتفي , أي شيء . فيعطيني عصيراً وشيبس , أحب " ليز " تحديداً , لكن لم يحصل أن أعطاني منها يوماً , لئيم هذا البائع أيضاً , يبحثون عن الأرخص ليتصدقوا به عليّ . هم يعتقدون أني لا أفهم مايفكرون به , لكن صدقني .. أفهم كل مايدور في عقولهم , هم السذّج ولست أنا . أن تكون رجلي مبتورة ليس معنى ذلك أن جزءً من عقلي مبتور أيضاً , هل تفهم عليّ ؟ أعتقد بأنك تفهم . دعني أكمل لك ؛ أقف أمام باب المسجد لأشرب من ماء السبيل المرّ الطعم والمليء بالجراثيم فيراني أحد المحسنين ويعطيني مالاً . لا تتعدى عملة واحدة , ما أشد لؤمهم هؤلاء المحسنين , لم يزد أحدهم يوماً عن عملة واحدة . أتمنى أن أقذفها في وجوههم , لكنّي أحتاجها , أُنظر إليّ , أنا يتيم وقدمي مبتورة وأحتاج أن يحسن عليّ الناس , أتمنى أن يعطيني أحدهم مئة أو مئتان , تخيل معي رجلاً بائساً يفعلها . هل تعلم متى قد يحصل ذلك ؟ لو كان هذا الرجل سبباً في بتر ساق طفل , سينظر إليّ ويعطيني مئة أو مئتان لأنه يشعر بالذنب . أُنظر إليّ ؛ أقف أمام النجّار ويقول لي سأصنع لك عكازاً , أنت لا تعلم أني كنت أسير بحديدة أضعها تحت يدي , أُنظر أسفل يدي المشوّه , أخبرني النجّار أنه لا يستطيع صنعه اليوم , فصُنع العكّاز يأخذ وقتاً , سألته هل ستأخذ مقاساتي الآن ؟ نظر إليّ وقال أنا لست ترزياً , أنا نجّار وأستطيع صنع عكّاز مناسب بمجرد النظر إليك . وبالغد صنع لي عكازاً أطول منيّ , لئيم هذا النجار . ومقاسات عمله دائماً خاطئة . كنت أعلم أنك تنظر إليّ كل يوم , أجلسُ على الرصيف وأنتظر أن تفتح النافذة وبيدك الكوب الأزرق , كنت أقول لأصدقائي مبتوري القدم هذا سيكون صديقي الوحيد ذو القدمين , أحب كوبك الأزرق , هل كنت تفتح النافذة في هذا الوقت بالذات كل يوم من أجل أن تنظر إليّ ؟ أنا أيضاً كنت أجلس في هذا الوقت لأراك , أشعر أن روحينا متشابهتين , كلاهما مبتورتان , لكن .. هل ستجعلني أشرب من كوبك الأزرق ؟

5 تعليقات to “أزرق”

  1. يقول Masheal.M:

    جميلة حد الألم يا منصور

  2. يقول كُوفيَّة:

    إذاً اسمُك منصُور ؟
    حسناً منصُور … أعجبتني القصة كثيراً. مؤثرة نوعاً ما، وواقعية في نفس الوقت. اسمُها لم يُشر إليها. كُنت أظن أنك ستتحدث عن الأرق فيها، أو عن التعب أو عن حُزن ما بما أنها سُميت أزرق. رُبما لو سُميت ” كوب أزرق ” لأشار للجوع أو لخيط ما في القصة. أعرف أن اختيار عنوان ما للقصة أمر مُتعب كثيراً. معظم قصصي تكُون ذات اسماء ساذجة للغاية لأنني لست ماهرة في اختيار العناوين. على أية حال … هناك بعضٌ من الأخطاء اللغوية استطعت اقتناصها 🙂 .. قليلة هي ولن يُلاحظها القارئ إلا لو أمعن جيداً.

    – ليس معنى ذلك أن جزءً
    [ الصواب : جزءاً ]
    – أتمنى أن يعطيني أحدم مئة أو مئتان
    [ الصواب : مئتين ]
    – ويعطيني مئة أو مئتان
    [ مئتين ]
    – صديقي الوحيد ذو القدمين
    [ الصواب : ذا ]

    __

    عمُوماً؛ أحببت القصة.. ذكرتني بحوار سجلته مع أحد الأطفال الذين يعملون في الشوارع منذ سنة تقريباً 🙂

  3. يقول سيميـا:

    جميلة جداً قصتك…
    ومؤثرة…

  4. يقول al-anoud:

    جميلة ….
    استمر 🙂

  5. يقول Lament:

    مشاعل

    يا أهلا وسهلا فيك .
    سعيد بمرورك والله : )

    ..

    كوفيّة

    يا أهلاً فيك ,
    شكراً على التصويبات , راح أستفيد منها المرات الجاية إن شاء الله .
    اي والعناوين شيء صعب بالنسبة لي هههههههه
    شكراً لك

    ..

    سيميا

    أهلاً فيك ,
    شكراً لك يا سيميا .

    ..

    العنود

    أهلين , شكراً لك .

Leave a Reply

*
To prove you're a person (not a spam script), type the security word shown in the picture. Click on the picture to hear an audio file of the word.
Anti-spam image