لعله من أصعب ما يواجهه المرء في حياته أن يكتب عن الذين يحبهم , فالكتابة عنهم مربكة , ويجب أن يقول شيئاً ما قاله أحدٌ من قبله , وأنّى له ذلك !
وكيف به وهو يكتب عن حبه الأبدي .. عن أمه , فالعجز هنا أوجب !
ولكن هنا يكفي الإنسان شرفاً أن حاول , وإن لم يكن ذلك كما يأمله ..
حينما أفكر فيك , لا تأتي بذهني سوى الصور التي كنت فيها بجانبك , كنت دوماً بجانبك , وشديد التعلق بك , مهما أبتعدت فالعودة لا تكون إلا إليكِ , كنت شديد الإعجاب بكِ , و حينما يُعجب المرء بأمه فإن إعجابه خاصٌ لأنها أمه , لكن بالنسبة لي فالأمر مختلف , لم يكن إعجابي بكِ لأنكِ أمي وحسب , بل لأني كنت أرى فيكِ مالم أره بغيرك , كانت تخرج منكِ الأشياء الجميلة كما يخرج منكِ النفَس , من غير جهدٍ منكِ ولا تزييف , هو أمرٌ خلقه الله بك , تعلمت منكِ كيف يكون المرء شامخاً من غير أن يكون ذلك تعالٍ على خلق الله , وليس بين الأنفة والتعالي الا شعرة , ما اجتزتها قط , منكِ تعلمتُ كيف يكون الإنسان كريماً لا يبتغي الا وجه الله , منكِ تعلمت أن اقرأ , منكِ تعلمتُ كل جميل !
لكِ الفضل بعد الله في كل شيءٍ وصلتُ إليه وسأصله !
لم أنسى قط إيثارك لنا على حساب نفسك , كان ذلك والله يبعث المرارة في نفسي , وكنتِ دوماً تخبرينا أن جاء الوقت لأتوقف عن ذلك , ولا تلبثين أن تعودين سيرتك الأولى وتقدمينا على نفسك في أبسط الأمور وأعظمها !
لله إنتِ ما أعظمك !
في كل مرةٍ أراكِ , أشعر بالرغبة لأن أقول لك أحبك وأن أقبل رأسك وكفيك , وما كان يردني والله إلا الحياء منكِ , ولكن هي القلوب تصل ما ينقطع بالجوارح , ولعلكِ تشعرين بما أفكر فيه حينها ..
أعلم كم خذلتكِ في المرة الأخيرة , وكم خيبتُ أملكِ فيّ , كنتُ دوماً معتاداً على أن أكون الأقربَ لكِ وتكونين الأقربَ لي , كنتِ الصديقة الأولى , ولكن حينها ابتعدت عنكِ قليلاً , وكنتُ أشعر بكِ تتألمين من ذلك , ولكن لا أدري ما كان يحصل لي , كنت أشعر حقاً بأني لست على ما يرام ولا أعلم السبب , ولكن إن ابتعدتُ عنك خطوة كانت محبتك تقربني منك ألف خطوة !
في الماضي .. حينما كنا نتناقش و كانت أصواتنا تعلو وتأتي القطيعة أياماً ربما , لكنها لا تطول , بكلمةٍ منك أو مني ينتهي كل شيء , إلا في المرة الأخيرة , حينما قلت لك لا .. أحسست حينها أني أغضبت الله , ولا أدري كيف أصلح ما أفسدت , كانت أرى الدنيا سوداء كما أرى وجهي حينها , كنت أنعزل إلى نفسي وأبدأ بالبكاء , حتى أني لم أجد طريقةً أعتذر بها منك , كنت أشعر بأضعاف الألم الذي سببته لك , حتى الورقة التي كتبتها لك جلست أياماً لا أدري كيف الطريقة التي أوصلها لك .. ورغم ذاك , كنتِ دوماً تصنعين لي الأطباق التي أحبها , ما انقطعت مودتك أبداً رغم ما فعلت !
لله أنتِ ما أجملك .. لله أنتِ !
أعلم أنه منذ السطر الأول ستبدأ دموعكِ بالإنهمار , ولكن من أجلي اكبحي جماحها هذه المرة , فأنا مذ فكرت بالكتابة عنكِ بادي الرأي , أردت أن يكون ما أكتبه خالياً من التزويق , نابعاً من القلب , كالطفل حينما يرتمي في حضن أمه لا يدفعه إليها إلا الحب , أتراها تبكي حينما يأتي صغيرها إليها ؟! لا تبكي بل تزيد في ضمه إليها ولا تبعده ..
للحديث عنكِ وإليكِ نشوةٌ لا تنتهي , ولكن لم أكتب ما أكتب إلا لأني أشعر تجاهك بالتقصير , وإني لم أعاملك يوماً كما يجب , فلتسامحيني , ولتطيب نفسك , ولتعلمي أنه مهما كنت صامتاً في حضرتك , فإن لي قلباً لا يفتأ عن التسبيح بمحبتك أبداً حتى يكون ذلك هو آخر عهده من الدنيا ..
ابنك !