"في يونيو 1945 وقّع الأمير فيصل بإسم المملكة العربية السعودية في سان فرانسيسكو وثيقة تأسيس الأمم المتحدة، وألقى كلمة أعرب فيها عن الثقة بأن هذه المنظمة ستسعى إلى خير العالم كله، ولم ينس أن يشكر الرئيسين الأميركيين روزفلت وترومان على مساهمتهما في الدعوة إلى عقد المؤتمر التأسيسي. وكانت تلك خطبة رائعة تقبّلها الحاضرون بارتياح.
افتتح المؤتمر في جو من الحماسة بهيج للغاية، والأمل كبير بنجاحه. كان كل وفد يصل إليه يستقبل بحفاوة وترحاب. أما وصول الوفد السعودي فقد كان من المفاجآت المثيرة. فقد وصل فيصل مع نجله عبدالله وإخوته محمد وفهد ونواف الذي كان في التاسعة من العمر. وقد أثار وصول الأمراء ومرافقيهم الزنوج اهتمام الناس ودهشتهم، فغصّت الصحف بصورهم وتجمهر العامة أمام الفندق ليلقوا نظرة عليهم. وكانت لغة فيصل الإنجليزية أفضل من المتوقع. وكان المسؤول عن الوفد السعودي هذه المرة هو السيد توبس من مديرية أمن وزارة الخارجية.
في اللحظات التي يتملص فيصل فيها من نظرة توبس الساهرة، كانت عيناه تشّعان بزهو الشباب. وقد رافق فيصل آنذاك رئيس مكتبه الشيخ إبراهيم سليمان الذي كانت عيناه البنيتان الحيويتان كعيون الشباب في تعارض صارخ مع لحيته البيضاء وشعر رأسه الأشيب. لغته الإنجليزية أدنى مستوى من لغة فيصل، لكنه كان جاداً في إتقانها، يحمل معه دفتراً يسجل فيه كل كلمة جديدة عليه. وفي خارج الإطار الرسمي، كان الأمراء السعوديون يرتدون البزّات الأوربية، وقد بدوا فيها أيضاً أنيقين جداً.
خلال مكوث الوفد في سان فرانسيسكو، حلّ أعضاءه ضيوفاً على جهات عدّة، وقاموا بجولات في المنتزه في خارج المدينة، وتناولوا طعام العشاء في المطاعم الفاخرة. ونظمت لهم إحدى الجولات الترفيهية في منتزه تيلاند بارك، فوصلوا إليه بسيارات فخمة ومعهم منتسبو وزارة الخارجية وأصدقاؤهم. وفي بركة المنتزه استقلوا القوارب، وكان الأمير فيصل نفسه على المجذاف، وكذلك أخوه الأمير محمد، والشيخ إبراهيم. لم يكن الأميران يجيدان التجذيف، فتبلل كل الجالسين في القارب. تلك كانت أول تجربة لهما مع المجذاف. ثم تناول الجميع وجبة السندويش، وحملهم المطر على العودة إلى منزل علي رضا المتزوج من أمريكية، فتناولوا القهوة مع الفطائر هناك. وأدى أحد السعوديين عرضة السيوف تحت أنغام "جيرسي بونس"، وكان ماهراً في الأداء".
Archive for يناير, 2014
فـيـصـل
الثلاثاء, يناير 14th, 2014الخميس, يناير 2nd, 2014
لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛ كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ/ فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما.. يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ/ حَلاَوَتُهَا ممزَوجَةٌ بمرارةٍ.. ورَاحتُهَا ممزوجَةٌ بِعَناءِ/ فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ.. فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ/ لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً؛ وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ/ وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَةٌ، وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ/ ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ.. ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ/ ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدةٍ.. ويومُ سُرورٍ مرَّةً ورخاءِ/ وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ؛ وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ/ أيَا عجبَا للدهرِ لاَ بَلْ لريبِهِ.. يخرِّمُ رَيْبُ الدَّهْرِ كُلَّ إخَاءِ/ وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَةٍ.. وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ/ إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى، فَحَسْبِي بهِ نأْياً وبُعْدَ لِقَاءِ/ أزُورُ قبورَ المترفينَ فَلا أرَى.. بَهاءً، وكانوا، قَبلُ،أهل بهاءِ/ وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَةٍ،.. وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ/ يعِزُّ دفاعُ الموتِ عن كُلِّ حيلةٍ.. ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواءِ/ ونفسُ الفَتَى مسرورَةٌ بنمائِهَا.. وللنقْصِ تنْمُو كُلُّ ذاتِ نمَاءِ/ وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ.. حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ/ أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَةٍ.. يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ/ خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ، وكُنْ بينَ خوفٍ منهُمَا ورَجَاءُ/ وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا.. ولكِنْ كَسَاهُ اللهُ ثوبَ غِطَاءِ.
أبو العتاهية