" .. لكن أكثر ما كنت أحبه هو أن أكون قريباً منه , ألمسه , أكون إلى جانبه . عندما كنتُ طالبًا في الثانوية , وحتى في السنوات الأولى من الجامعة , وأثناء أسوأ نكسة مررت بها في حياتي , كنت رغمًا عني أتوق إليه , أن يأتي إلى البيت ويجلس معي ومع والدتي ويقول أشياء قليلة ليرفع أرواحنا المعنوية . عندما كنتُ صبيًا صغيرًا , كنت أحب أن أتسلق إلى حجره أو أرقد إلى جانبه , وأشم رائحته , وألمسه . وأتذكر كيف علمني السباحة في هيبليادا , عندما كنت صغيرًا جدًّا : عندما كنتُ أغوص إلى القاع , وأضرب بعنف محاولاً الطفو , كان يمسكني , وكنت أشعر بالفرحة , ليس فقط لأنني أستطعت التنفس مرة أخرى , ولكن لأنني أستطيع أن ألفّ ذراعي حوله , ولأنني لا أرغب في أن أغوص مرة أخرى إلى القاع , كنت أصيح : " أبي , لا تتركني ! "
لكنه كان يتركنا . كان يذهب بعيداً , إلى بلدان أخرى , وأماكن أخرى , بقاع من العالم غير معروفة لنا . وعندما كان يتمدد على الأريكة يقرأ , أحياناً كانت عيناه تنزلق بعيداً عن الصفحة ويتوه في أفكاره . وعند ذلك كنت أعرف أنه , داخل الرجل الذي أعرفه كأبي , كان هناك شخص آخر لا أستطيع الوصول إليه , وعندما أخمّن أنه كان يحلم حلم يقظة بحياة أخرى , كنت أشعر بالقلق . أحياناً كان يقول : " أشعر أن رصاصة قد انطلقت بدون سبب " . ولسبب ما , كان ذلك يشعرني بالغضب . وأشياء قليلة أخرى كانت تجعلني أغضب . ولا أعرف من الذي على حق . ربما في ذلك الوقت كنت أنا أيضاً أتوق إلى الهرب . لكني رغم ذلك كنت أحب أن يضع شريطه المحبب للسيمفونية الأولى لبرامز , ويقود فرقة أوركسترا متخيلة بعصاه المتخيلة . كان يضايقني عندما , بعد وقت طويل من البحث عن المتع والهرب من المتاعب , كان ينعي حقيقة أن الانغماس في الملذات ليس له معنى أكثر منه في ذاته , ويسعى إلى لوم آخرين . وعندما كنت في العشرينات من عمري , كانت هناك أوقات أقول فيها لنفسي : " أرجوك لا تجعليني مثله " . كانت هناك أوقات أخرى فيها أشعر بالضيق لفشلي في أن أكون بنفس القدر سعيدًا , مرتاحًا , خالي البال , ووسيماً مثله .
وبعد سنوات كثيرة عندما كنت أضع كل ذلك ورائي , عندما لم يعد الغضب والغيرة يعميان نظرتي لأبي الذي لم يوجه لي كلمة توبيخ أبدًا , ولم يحاول أبدًا أن يكسرني , بدأت ببطء أتبين وأتقبل التشابهات الكثيرة والتي لا مفرّ منها بيننا . ولهذا فإنني الآن , عندما أتجهم بسبب أبله أو آخر , أو أشكو إلى أحد الجرسونات , أو أعض شفتي العليا , أو ألقي ببعض الكتب إلى الركن نصف مقروءة , أو أقبّل ابنتي , أو أخرج نقوداً من جيبي , أو أحيي شخصًا بضحكة من قلب متخفف , أقبض على نفسي متلبسًا بمحاكاته . وليس هذا لأن ذراعي وساقيّ ورسغيّ , أو الشامة الموجودة على ظهري تشبهه . أحياناً يخيفني , ويرعبني , ويذكرني بطفولتي , إنني أشتاق لأن أكون أكثر شبهًا به . إن كل رجل يبدأ موته بموت أبيه " .
ألوان أخرى