Archive for يناير, 2013

Bella Italia

الأربعاء, يناير 16th, 2013

كان كل شيء يسير في إتجاه واحد و ثابت. نظرتُ إلى الوجوه التي اعتدت رؤيتها كل ثلاثاء و أربعاء, باولو و كاميلو الإيطاليان و وليام الفرنسي. سألتنا فيكتوريا أن نتحدث عن أصدقائنا المقربين, أن نصف أشكالهم و شخصياتهم. تحدث باولو عن صديقه بتقديس كأنه راكعاً تلك اللحظة على مذبح كنيسة القيامة. كاميلّو رمى القلم بعصبية وقال ليس عندي صديق مقرب, سألته لا يعقل أن لا يكون لديك صديق! قال أقصد عندي أصدقاء مقربين كثير, أو كما قالها بكلمات لا أنساها وهو يهز يده: I have much beste friendi, بيستّي فريندّي, على عادة الطليان بإضافة حرف علة في آخر كل كلمة بلغتهم. المسكين كاميلو يعاني من مشكلة أن لديه أصدقاء مقربين كثر. نظرنا إلى وليام, قال صديقي very nervous. ذهب فكري بعيداً بعد ذلك, كنت أتحدث و أضحك مع الجميع بإستثناء وليام الذي لم يضحك معنا يوماً أو قال كلمة لطيفة, يأتي صامتاً ويخرج صامتاً, تبدو علامات العصبية ظاهرة عليه, تراها كبثور, أو لكأنها الحاسة السادسة لوجهه, قلت في قلبي وليام المكتئب دائماً والعصبي يقول عن صاحبه أنه نيرفز, كيف يكون إذاً هذا الصديق؟ شعرت بالرهبة, كان كل شيء قبل تلك اللحظة يسير في إتجاه واحد و ثابت, أن أحتفل بعيد ميلادي في باريس "أن أطل من الشرفة على برج إيفل وهو يتلألأ وأفكر أن شعاع أنواره اليوم أقوى من المعتاد. وأقول ربما أضافوا سبع وعشرين لمبة (ولمبة أخرى) هذا اليوم . الأكيد أن هناك شيء ما مختلفاً به, أشعر بهذا. لا أجزم أنه لأجلي فأنا لست لامارتين على أية حال" كان هذا مشهدي المسرحي الذي أتخيله كلما تذكرت عيد ميلادي, لكن بعد تلك اللحظة, بعدما وصف وليام صديقه المقرب أخذتُ أنعطافة كبرى, قررت الذهاب إلى ميلانو, فأنا أريد بداية عمر جديد مع شعب يقدّس الحياة, الرجل الذي لا يضحك فيها غاضب لأن لديه "متش بيستي فريندي". تشاو

الجمعة, يناير 11th, 2013

تتعبني العاطفة, المحبة, أن أتعلق بالأشخاص ثم أتركهم. كان هذا يوماً عاطفياً؛ في منتصف الحصة الثانية جاء مسؤول من الإدارة و أعطاني جدولي الجديد وقال لي إنني انتقلت للمستوى الأعلى, شعرت بألم في قلبي بالذات حينما نظرت إلى أصدقائي الذين أعتدت عليهم طوال الأيام الماضية. يندر أن تجد مجموعة من الأشخاص تتأقلم معهم بسهولة وتشعر أنهم جميعاً قريبون منك, جاء ماخا* من آخر الصف وأخذ جدولي و نظر إليه, هزّ رأسه وقال مانسور! مانسور! وعاد إلى كرسيّه, أخذتْ جدولي جلاديس الفتاة من تشيلي وأخذه منها تاكا الياباني, كلهم نظروا إليه بحسرة ويحاولون أن يجدوا أي مادة مشابهة, ماكوتو الياباني الذي كان يجلس بجانبي قال Masok**, I sad I sad.  كان قلبي حزيناً, والأستاذة تنظر لي بحزن أيضاً وتقول لي منصور يجب أن تبتهج أن تقول هيييييه ليس أن تحزن, حتى أنا سأفتقدك لكن يجب أن تفرح. لكنهم أصحابي ولا أحب أن أتركهم, كيف لي أن أترك ماخا الذي لا أتخيل أحداً بالعالم يضحكني أكثر منه, بمجرد أن يتحدث بأي كلام عادي أضحك, كيف لي أن لا أرى تاكا الذي يشعر بالألفة تجاهي, أستطيع أن أفهمه من دون أن يتحدث, على أية حال لا يستطيع أن يقول أي كلمة بالإنجليزية, يحمل كمبيوتره المحمول ويكتب لي بترجمة غوغل كل ما يود قوله, بالأمس كان جالساً بجانبي وكتب لي أنت يا صديقي :Friendly, Kind, Nice, Honest, Optimistic.  الكلمات التي تعلّمها للتو, لم أجد أحداً أكثر عاطفةً من اليابانيين. درس الأمس كان عن الأوصاف, سألته تاكا, صف لي أمك, كتب لي أمي دافئة. نظرنا إلى أعين بعضنا و كنا على وشك أن نبكي أنا وهو. هؤلاء أصدقائي الذين آخذ أغلب الدروس برفقتهم, هناك من أحضر معهم حصة واحدة في اليوم, مثل إيلدر, الطيار, الذي يأتي برفقة زوجته بارعة الجمال ماريّا غابرييلا, لا يمرّ يوم دون أن أتحدث مع إيلدر, يوماً ما قال لي إن لديه صديق في البرازيل اسمه منصور, سألته هو من أصول لبنانية أو سورية؟ قال لي لا هو برازيلي. شعرت بالأسى على نفسي, حتى هنا أفكر بأصول الناس؟ لكننا نتعلم كثيراً من أبسط الكلمات. هناك باولو وكاميلو من إيطاليا, باولو رجل أعمال ويدرس الإنجليزية لتنفتح له فرص أكثر كما يقول, نتحدث كثيراً عن كرة القدم, عن ميلانو وروما, عن بعض الدول العربية التي زارها, و أضحك عندما يتحدث الإيطالية بلكنة إيطالية, كاميلو الرجل الذي لا يضحك أبداً, ويشعر بالتوتر طوال الوقت. كلهم أحببتهم ولم أرغب أن تأتي اللحظة التي يذهب كلٌ منا لمرحلة أخرى. بعد أن خرجنا من الحصة قاموا كلّهم بإحتضاني, تاكا كان يحاول حفظ هذه الكلمات طوال الحصة ليقولها لي, "إنه سيعمل بجهد أكبر ليلحق بي", ماكوتو قال لي أنا حزين ألف مرة, ماخا لم يقترب مني, لكن حينما خرجت لحق بي وقال لي أنه سينزل الآن للإدارة ليقاتلهم, إما أن تبقى معنا في المستوى أو يأخذوني معك, ثم قال الليلة سأشرب الفودكا بكثرة حتى أنسى هذا اليوم الحزين. قلت له أنا موجود هنا دائماً, قال لكن المشكلة أننا لن نأخذ الدروس سويةً ولن أسمعك تضحك. لكني ضحكت لأجله وخرجت لألحق بالباص الذي سيأخذني لصلاة الجمعة. هذه المرة الأولى التي أصلي فيها الجمعة هنا, لذلك لا أعرف ماهي طريقتهم وماهو الوقت وأي المساجد تصليها. على أية حال ذهبت للمسجد القريب من البيت الذي أسكن فيه, اسمه دار الأمان, دخلت في الساعة الثانية عشرة وربع, وكنت أعتقد أن الجمعة ستفوتني لأن أذان الظهر الساعة 11:55 صباحاً. حينما دخلت وجدت المسجد فارغاً, شعرت بالحيرة, قلت ربما لا تقام صلاة الجمعة في هذا المسجد, انتظرت قليلاً ثم خرجت و وجدت شاباً هندياً يقف بالخارج سألته هل تقام صلاة الجمعة هنا؟ قال نعم, الساعة الثانية ظهراً, قلت له ولكن العصر يأذن الساعة 1:34 دقيقة كيف لكم أن تصلّوا الجمعة الساعة الثانية؟ قال نجمع الصلاتين. على أية حال شعرت بالخجل أن أذهب إلى البيت وأعود عند موعد الخطبة, عدت لأنتظر في المسجد. عند الساعة 1 امتلأ المسجد قليلاً وقاموا بتشغيل البروجكتر الذي يعرض خطبة الجمعة لا أدري من أين, ربما من الهند أو مدينة أخرى في بريطانيا. كان الخطيب هندياً ويتحدث بالأردو لذلك لا يوجد أدنى أمل أن أفهم كلمة واحدة. خطب من الساعة الواحدة تماماً حتى الثانية تماماً. وأنا أغفو و أصحو طوال الخطبة, وبعد أن أنتهى الشيخ من خطبته عبر البروجكتر قام المصلّون في مسجدنا واصطفوا للصلاة, قمت معهم وأخذت ألتفت ليأتي أحد ويؤمنا للصلاة, لكن أحداً لم يتقدم وبدأو يصلّون, قلت لنفسي ربما هذا مسجد لمسلمين من مذهبٍ آخر, فالهنود طقوسهم تختلف. صلّيت الظهر و العصر, وبعد أن انتهيت تقدم رجل وبدأ يخطب للجمعة! خطبة غريبة أيضاً بالأردو وقليل من العربية والأنجليزية, وبالطبع لم أفهم سوا بعض الكلمات كهابي نيويير و إنا لله وإنا إليه راجعون والفاتحة التي بدأ خطبته بها, كما فعل الشيخ عبر البروجكتر. خطب لمدة 10 دقائق وكأنه يتحدث معهم, وبعضهم يتجاوب معه ويرّد عليه. أعرف أن هذا مسموح في صلاة الجمعة أن تُحّدث الإمام لكن وجدته غريباً بعض الشيء, على أية حال صلّى بنا الجمعة والعصر ثم عاد وخطب قليلاً, لكن لم أقوى على الصبر وخرجت, فهذا أكثر الأيام برودة في حياتي, وما من أمٍ تدفيني. 

* ماخا, من كازاخستان, اسمه الحقيقي ماخامبد والتي تعني محمد. لكنه يقول لنا نادوني ماخا. في اليوم الأول حينما شرح لي معنى اسمه قلت له إذاً أنت مسلم؟ قال لي yes yes but I am not big fan.  يحب أن يقضي ليله بالسُكر, في اليوم الأول سألته الأستاذة ماذا تحب أن تعمل في أوقات الفراغ, قال أشرب الفودكا و أسكر, وقام بتقليد مشية السكرانين في الفصل. دخلت إلى صفحته في الفيسبوك و وجدت أغلب الصورة في (بيت البيرة) كما يسميه, أو بجانب زجاجات الويسكي في السوبرماركت, أو يحمل زجاجة فودكا وينظر بقسوة. أخبرتكم أنه أكثر رجل أضحكني في هذه الحياة, لو كنتُ مخرجاً لقمت بتسجيل فيلم كامل عنه, ربما سأفعلها يوماً ما حتى لا أتوقف عن الضحك حتى البكاء كما هو حالي معه.
** ماسوك : هو الإسم الذي يناديني به ماكوتو.
*** هناك رجل آخر لم أكتب عنه, أستاذي ويل. كنتُ دائماً ما أواجه هذا السؤال حين التسجيل في المواقع –ليكون السؤال السريّ- : ما اسم استاذك المفضل؟ وأبحث عن إجابةِ غيره لأنه لا يوجد لديّ أستاذٌ مفضل, لكن بعد أن عرفت ويل تغير هذا المفهوم بالنسبة لي, لا يكبرني كثيراً بالعمر لكنه أحد أعظم الأساتذة الذين درسوني في حياتي.
– الصورة : الأول من اليسار: ماخا, في لقطة رومانسية له. الثانية: إيلدر بعنقه المكسورة وباولو. الثالثة: تاكا يحمل رسمته. الرابعة: كاميلو المتجهم أبداً. الصورة الأخيرة ماكاوتو.

La dolce vita

الأربعاء, يناير 2nd, 2013

 

الأول من يناير
طريق المطار, الساعة الثالثة والنصف فجراً, درجة الحرارة في الخارج ثلاثة عشرة لكن أشعر أن الجو أدفأ من أن يكون ثلاثة عشرة, أشعر بالنعاس يتملكني, و محمد عبده على إذاعة "ألف ألف" يصدح بأغنية ليلة خميس. أقول للسيد ميم -الذي طلب منذ ثلاثة أيام أن يوصلني للمطار- إنها سنة جديدة و حياة جديدة في إنتظاري, و يقول لي إن الطرب في هذا الوقت له معنىً آخر, ثم يصرخ هابي نيووو ييييير. و تنهيدة طويلة تخرج مني.

مطار الملك خالد الدولي
في الصالة الدولية رقم 2, كل شيء يمرّ بسلاسة, وزن الشنطة 29كيلوغرام و موظف الخطوط الفرنسية الهندي لم يكترث لهذا الأمر, طلب مني الجواز فقط و سألني عن وجهتي, قلت له مانشستر, أعطاني تذكرة المرور و سألته هل سأستلم الشنطة في مانشستر أم في باغي؟. ضحكت من نفسي أن قلت باغي, لكنه لم يكترث أيضاً لها وقال مانشستر مانشستر, والنعاس رجلٌ نهم و أنا كعكة يلتهمني رويداً رويداً. ذهبت لموظف الجوازات الذي قرأ اسمي و سألني عن رجل اسمه محمد حماد هل أعرفه؟ قلت له لا, قال هو زميلنا في المطار, قلت طيب؟ لا أعرفه والله. قال بلكنة غبية يا رجل! ثم ألتفتْ إلى زميله الذي يجلس خلفه وقال فرق بينه و بين محمد صح؟ ضحك زميله ضحكة رجل على وشك النوم من دون أن يلتفت إلينا. أردت سؤاله عن الفرق لكن رأيت أن هذا ليس مكان حوارات, ثم أنا نعسان.

في الطائرة – Paris je t’aime
بمجرد دخولي إلى الطائرة ابتسمت, المضيفة تقول لي بونجور مسيو, الاغاني الفرنسية تصدح بكامل الطائرة, وهناك حرارة شديدة تنبعث في كل مكان, دفء غريب, جلست على مقعدي رقم 36E  على الممر, المقاعد مريحة أكثر مما توقعت, على يساري كرسيان تجلس على أحدهما فتاة تحمل كيس بندة, بعد قليل جاء ثلاثة فتيات كنت رأيتهم على ممر الصعود, يرتدين الحجاب وملابس محتشمة للغاية, لم يكنّ جميلات حينما نظرت إليهن للمرة الأولى في ممر الصعود, جلسن على المقاعد الثلاثة بجانبي, خلعن ملابسهن المحتشمة و حجابهنّ, و ياللغرابة تحولن إلى جميلات, كنَّ يتحدثن بالفرنسية طوال الوقت, حتى عطست التي بجانبي وقالت الحمدلله, أعتقد أنهن تونسيات, التي بجانبي كان وجهها ممتلأً بحبات الخال, تذكرت الموال الذي يغنيه ناظم الغزالي, له خالٌ على صفحاتِ خدٍ كنقطة عنبرٍ في صفح مرمر, قلت في قلبي هؤلاء خوال كثر في خدها وضحكت. كانت الثالثة على الطرف الآخر تنظر إليّ كثيراً, ربما أشبه أحداً تعرفه. جلسنا حوالي الربع ساعة والمضيفة تمرَ على الركاب و تعدهمّ, هنا فرنسا. بعد الإقلاع بقليل جاءت وجبة الإفطار, سألني المضيف ماذا ترغب وقال كلمات متداخلة لم أفهم منها إلا أومليت, طلبتها, وحينما فتحتها وجدت أنه بالإضافة إلى الأومليت هناك (Bacon) "لحم الخنزير المقدد", لعنتهم في سريّ, لأني حددت نوع الوجبة من قبل أن لا تحتوي على خنزير أو كحول. هذا المضيف يقول كلمات لا يفهمها أحد, حتى الفتاة بجانبي طلبت أكثر من مرة أن يكرر كلامه حتى تفهم مايقول, أكلت قطعة صغيرة من الأومليت لكن لم تحتمل معدتي الطعم وبدأت أشعر بالآلام ولم تفارقني حتى وصلت. أردت النوم, طلبت من المضيف الآخر أن يعطيني غطاء العين (لا أعرف أسمه) لكن أشرت على الفتاة التي بجانبي, كانت نائمة وتضعه على عينها وقلت مثل هذا, قال لي موجود مع السماعات التي وزعها علينا في بداية الرحلة, قلت له لا يوجد شيء, قال لي لا لا تقل أنه لا يوجد قل أنك لم تجده أو ضيعته, أخرجت له كيساً وقلت أنظر لا يوجد شيء, قال لي هذا كيس البطانية, هي موجودة في كيس السماعات لكن يبدو أنك اضعتها, قلت له يا عزيزي أقول لك أنه لا يوجد شيء, لماذا أكذب عليك؟ رد عليّ كمن يشفق على نفسه: إن كنت تريد واحدة أخرى يجب أن تدفع, قلت له لماذا؟ هنا قال (ذس از كريزي يورب), ضحكت وقلت إنها مجنونة حقاً, قال أنتظر قليلاً, سأذهب إلى الخلف وأبحث لك عن واحدة, بعد قليل جاءني و أعطاني إياها, ثم قال لا تقل أنه لم يكن مع السماعات واحدة, قلت له لماذا؟ ألا نتوقع كل شيء من (كريزي يورب) ضحك مرة أخرى ويبدو أنه صدقّني. أقلعت الرحلة من الرياض الساعة السابعة صباحاً, و وصلت إلى مطار شارل ديغول حوالي الثانية إلا ربع, كنت ما يقارب الأربعة ساعات مغمضاً عيني ولم أنم إلا ما مجموعه ساعة ونصف, لكنها جيدة. بمجرد أن تحركت الطائرة, أخرجت الفتاة التي تحمل كيس بندة منه صوفاً وبدأت تغزل, كنت أنام و أصحو وهي تغزل الصوف, نامت قليلاً واستيقظت متعرقة و وجهها شديد الحمرة وبدأت تغزل, فكرت بالقيامة إن أذنت على الأرض سيبقى إثنان لا يهتمان لأمرها, رجلٌ يغرس فسيلته وفتاة تجلس بجانبي ستكمل غزلها.

باغي باغي
مطار شارل ديغول, أحد أجمل المطارات التي شاهدتها, كل شيء فيه يبدو جميلاً ومتقناً. انتقلت من صالة الوصول إلى صالة المغادرة في الصالة 2E  عن طريق الميترو, الفرنسيون مهذبون جداً ويجيبون على كل سؤال بأدب جمَ ومحبة, ربما لأني أسألهم بالفرنسية. اليابانيون يملأون المطار, يشترون الشنط من ديور والأوشحة من هيرمس, و يعاملهم الباعة بإحترام كبير, في كراسي الانتظار والمقاهي ومحلات الألكترونيات و دورات المياه أينما تنظر تجد اليابانيين, لكنهم مشغولون بأنفسهم. مطار شارل ديغول يعطيك ربع ساعة تستخدم فيها الإنترنت مجاناً, بعد ذلك تدفع مبلغاً رمزياً, بالنسبة لي لم أنتظر أكثر من نصف ساعة وأعلنوا عن الرحلة المغادرة لمانشستر. 

Paris – Manchester
9E هو رقم مقعدي على مخرج الطوارئ, في المنتصف, على يساري تجلس المضيفة, ويميني جاء متأخراً راكباً إنجليزياً يشبه هذا الممثل, و يبدو أنه لا زال يعاني من آثار ثمالة رأس السنة, تفوح منه بشدة رائحة الويسكي, ويحمل أيضاً أربع زجاجات في كيس, لم نتحدث أغلب الرحلة, كنت اقرأ مجلة الطائرة ويبدو عليه أنه يعاني من الصداع. حينما جاءت المضيفة بالمرطبات طلب منها ويسكي وكولا, أعطته ثم طلب أخرى, قالت له دعني أنتهي من الخلف وإن بقي شيئاً أعطيك, بعد ربع ساعة عادت إليه وأعطته ويسكي وكوكاكولا دايت, كان منهكاً للدرجة التي لم يقدر على فتح زجاجة الويسكي الصغيرة, قلت له دعني أحاول, وفتحتها له. من شدة فرحه كان على وشك أن يقبلّني وقال لي أنا ضعيف لم تعد لديّ قوة, لم أعلّق على كلامه, لكن غمرته السعادة ولم يرد أن يسكت لحظة. سألني من أين أتيت؟ قلت له من السعودية, سألني عن مدة الرحلة ومدة مكوثي في باريس, كانت يداه مملؤتان بالوشوم, كتابات غريبة وأسماء حفظت منها Lusa Oscar, lous  وكتابات أخرى, قال لي أنه سيذهب إلى أبوظبي الاسبوع المقبل بعدها إلى تايلاند وفيتنام, سألني إن كنت زرت أي واحدة منها؟ قلت له أبوظبي فقط, شككت أنه جاسوس ههه لكنه قال لي إنه ذاهب للسياحة, سألته كيف كانت باريس؟ أجابني بغضب أن الرجال الفرنسيين ملاعين والنساء رائعات, كررها (Amazing Amazing)  ثم بدأ يشتم انها أغلى مدينة زارها في حياته والفرنسيون فوق هذا ملاعين أبناء ملاعين, قلت له أغلى من لندن؟ قال لندن أغلى مدينة في بريطانيا. قلت أغلى من موسكو و طوكيو؟ قال ربما, لكن باريس مدينة ملعونة وغالية. أحب هذه الأسئلة العبيطة, ولحسن الحظ كان متجاوباً معي. سألني ماذا تفعل في مانشستر؟ قلت له أدرس, سألني عن اسمي, قلت مارسيل, سألني عن معناه بالإنجليزية قلت لا معنى له, مجرد اسم. قال لي لا تبقى هناك طويلاً إذهب شمالاً, كلما ذهبت شمالاً تتحسن أطباع الناس, أخبرته أني أفكر بالذهاب إلى غلاسكو, قال غلاسكو أمايزنغ أمايزنغ, ثم نصحني إن كنت أملك رخصة قيادة أن أشتري سيارة وأتمشى في الشمال, قال إذهب إلى بريستول المدينة التي أسكنها, أمايزنغ, تبعد حوالي الساعة من مانشستر, ابنتي تنتظرني في المطار لتأخذني لها, إذهب إلى أدنبرة المدينة التي ولدت فيها, إنها رائعة الجمال, أمايزنغ, والإيرلنديون شعب عظيم. سألني عن المدة التي سأجلس فيها في مانشستر, أجبته ثم قال Stay away from girls, أعلن في هذه اللحظة قائد الطائرة عن قرب الهبوط إلى المطار. مدة الرحلة حوالي الخمسين دقيقة. كنت في الأوقات التي أدون فيها ما يقول على جهازي الآيباد ينظر بدقة إلى ما أكتبه كأنه يعرف القراءة بالعربية, وهو ما زاد شكوكي أنه جاسوس! 

مطار مانشستر
اليابانيون يملأون المكان هنا أيضاً, عبأت البطاقة ووقفت بصف لا يوجد فيه أحد, والصف الآخر طابور طويل يقف فيه حوالي المئة وخمسين شخصاً, ولا أدري حتى هذه اللحظة لما لم يأتوا إلى هذا الصف الفارغ, سألني موظف الهجرة عن سبب قدومي لبريطانيا, أخبرته دراسة, وأعطيته أوراق المعهد, طلب مني خلع القبعة التي أرتديها, نظر إليّ مطولاً ثم سألني إن كنت سأدرس هنا الإنجليزية أو لغة أخرى؟ قلت الإنجليزية. ختم على جوازي وقال لي استمتع بالإقامة في مانشستر العظيمة, شكرته بالفرنسية. 

مانشستر
بمجرد خروجي من بوابة المطار شعرت بشعور جميل لم أعهده من قبل, كنت خائفاً أن لا تعجبني المدينة ويصيبني الإكتئاب بها, كل مدينة نأتيها نشعر فيها بالرهبة والخوف من الأشياء المجهولة التي ننتظرها, لم أعرف هذا الشعور هنا, كان صدري منشرحاً, هاتفت أبي وكنت أضحك وأصف له الأجواء ومشاعري, كان أبي سعيداً أيضاً, وسائق التاكسي الهندي سعيد هو الآخر, أنزلني إلى الفندق و أعطاني رقمه وقال لي في أي وقت تحتاجني فيه أرجو أن تتصل عليّ سآتيك فوراً, قلت له ok, I will kill you. هههه الغريب أنه ضحك وقلت له أقصد أني سأتصل بك قريباً. كانت الأجرة 45 باوند, وأعطيته 50 باوند وقلت له احتفط بالباقي, زادت سعادته عن الحد المطلوب, و كرر عليّ أن أتصل به. في الفندق كل شيء جميل ومريح, لم أستطع أن أقاوم ونمت. 

Gio & Giorgio
بعد ساعتين استيقظت على أصوات الألعاب النارية, كنت جائعاً, في طريقي للفندق شاهدت مطعم صب واي, ذهبت إليه لكن وجدته مغلقاً, مشيت حتى وجدت مطعماً إيطالياً, بلا أدنى تفكير دخلت إليه, رحبّ بي مدير المطعم, رددت عليه بالإيطالية وسألته عن حاله, أجابني بفظاظة أنه بخير, بالإنجليزية. اختار لي طاولة لم تعجبني لكن المكان كان مزدحماً قليلاً, سألني ماذا تشرب؟ قلت أريد أن آكل فقط, أعطاني المنيو, وأغلب من في المطعم كانوا ينظرون لي بإستغراب, كنت أتحدث معهم بالإيطالية ويردون عليّ بالإنجليزية, حتى جاءتني ماريّا تسألني كيف أنت تتحدث الإيطالية؟ ثم بدأو جميعاً يتحدثون فيها معي. جاءني مدير المطعم بالبيتزا وقال هَلال!. قالها بسخرية, لكني ضحكت طويلاً, أخذ يسألني لماذا أنت وحدك؟ قلت له هذا يومي الأول في مانشستر, بدأ يتحدث معي بأسلوب مختلف عن طريقته الأولى, وغيرّ طاولتي إلى مكان جميل و منزوي عن نظرات الفضوليين وأشعل لي شمعة, وفي كل دقيقة يأتيني ويسألني عن طعم البيتزا, كانت من ألذ ما أكلت, قلت له أن الجميل بها عوضاً عن الطعم أنها لم تكن دائرية وإنما أجزاء زائدة وأخرى ناقصة, لم أشاهد هذا من قبل, قلت له أن هذا الأمر يشعرك بأن يدان هما من صنعتهما وليس شيئاً آخر. صافحني بشدة وشكرني على ما قلته. ماريا أتت تسألني بعد الأكل ماذا تشرب؟ واين؟ قلت لها قهوة, اختاري لي قهوة, تقول لي أسبريسو؟ أقول لا. تقول كابتشينو؟ لاتيه؟ وتشرح لي طريقة صنع اللاتيه بشغف. قلت لا كابتشينو. كان المطعم مزدحماً وكنتُ سعيداً أنهم متحلقين حولي, كنتُ أكلت نصف البيتزا وطلبت الباقي لآخذه ونسيته وأنا خارج, كلهم صاحوا بي ومدير المطعم يركض خلفي ليعطيني إياها, يسألني و نحن ننتفض بجوار الباب من البرد ما اسمك سنيور؟ أجيبه مارسيل, اسمي مارسيل.

الثلاثاء, يناير 1st, 2013