تعرفون جنابكم، جميعا، حكاية، أو حكايات، سليمان القانوني، أو سليمان الكبير، أو سليمان العظيم. اختر ما شئت. لكن إذا قبلت نصيحتي، فدعك من لفظة «القانوني» هذه. لقد سنّ بعض القوانين، لكنه سحق كل قوانين البشر. في أي حال، سوف أروي لجنابكم حكاية واحدة من حكايات السلطان الكبير؛ حكايته مع إبراهيم باشا. إبراهيم هذا لم يكن إبراهيما ولا باشا، كان صبيا يونانيا من غنائم الحروب، لكن شاء القدر أن يرسل الصبي إلى القصر، حيث أصبح أقرب الأتراب إلى سليمان الصبي.
فلما صار سليمان سلطانا، عين إبراهيم وزيرا أول (1523م). وبعدها بعام، زوجه من شقيقته «هاتيس» في احتفالات دامت 8 أيام. وانتقل الزوجان إلى القصر الذي بناه المعرس بما جمعه من أموال جراء صداقته مع السلطان.
بعدها تولى إبراهيم قيادة الجيش في الحملة على هنغاريا إلى جانب سليمان الكبير. يومها، دوّن السلطان في مفكرته ما يلي: «السلطان، جالسا على عرش ذهبي، يتلقى التهاني من الوزراء والبكوات. قتلنا 2000 أسير دفعة واحدة. المطر شلالات». الحملة التالية على أوروبا (1529) كان إبراهيم أيضا قائد الجيش. هدف الحملة هذه المرة كان فيينا، لكن المدينة لم تسقط، فتراجع سليمان للمرة الأولى. ولكي ينسي الشعب مرارة الهزيمة، شغل إسطنبول باحتفالات طهور أبنائه الأربعة. بعدما وقّع سليمان الكبير معاهدة سلام مع النمساويين، استدار، ومعه إبراهيم باشا، نحو أذربيجان، وبعدها نحو بغداد وتبريز.. وفيما كان يمضي الشتاء في بغداد، تلقى رسالة من زوجته الروسية روكسانا. إنها مشتاقة إليه شوقا هائلا، ولديها ما تريد أن تسرّ إليه.
ماذا؟ إبراهيم باشا، السبي اليوناني يا سليمان. إنه لا يكف عن الثرثرة؛ يقول إنه صانع البطولات والانتصارات. يقول إنه المفكر والمدبر. يقول إنه المفكر الذي لا يخطئ والقائد الذي لا يُهزم. وأنت يا حبيبي وسيدي السلطان، أنت أين أمجادك وسلطانك؟ في تلك المرحلة كان سفير البندقية لدى الصدر الأعظم قد سجل محضر لقاء مع إبراهيم باشا: هل هو غبي هذا الرجل؟ إنه يقول إن نفوذه أوسع من نفوذ السلطان، ألا يخشى أن يرسل إليه السلطان ذات يوم عشاء مسموما، وينتهي كل شيء؟! صدقت مخاوف سعادة السفير في مسألة العشاء، لكن ليس في السم؛ ففي 15 مارس (آذار) 1536 دعا سليمان رفيق الصبا إلى العشاء في جناحه، في قصر توبكابي. وفي اليوم التالي، عُثر على إبراهيم عند البوابة الإمبراطورية من السراي، وقد بدت على جثته آثار مقاومة لما يُعتقد أنه عملية خنق. صدر أمر سلطاني بمصادرة كل أمواله؛ ما هي أمثولة الحكاية؟ احفظ تواضعك.
"وأنا جالسة هناك وحيدة في بلدٍ غريب, بعيدة عن وظيفتي وعن كل من أعرفه, ساورني شعور وكأنني تذكرت أمراً لم أعرفه قط من قبل, أو لطالما كنت أنتظره ولكني لم أكن أعرف ذلك, ربما كان أمراً نسيته, أو أمراً كان ينقصني طوال حياتي, كل ما يمكنني قوله هو أنني شعرت في الوقت ذاته بالفرح والحزن معاً! ولكن ليس بالكثير من الحزن لأنني شعرت بأنني حيّة, أجل.. حيّة! كانت تلك هي اللحظة التي بدأت فيها أحب باريس, وشعرت أن باريس تحبني هي أيضاً"
Paris, je t’aime
الجو شديد الحرارة في كابينة الطائرة, كعادة طائرات إير فرانس, والأغاني الفرنسية تصدح منها كعادتها أيضاً. خلعت معطفي وجلست في مقعدي, ألتفتُّ إلى يساري في الجهة المقابلة وإذ بي أشاهد "مينو رايولا". قلت له أوه أنا أعرفك. قال ولكني لا أعرفك! وضحك. قلت له بالتأكيد سيد رايولا لا تعرفني لأنك مشهور و لأنني لست مشهوراً "بعد", قال إذاً أنا من عليه أن يطلب صورة معك؟ ضحكت بدوري, ولم أشأ أن أتطفل عليه و أزعج الأخرين الذين بيننا. مينو رايولا لا أعتقد أن أحداً منكم يعرفه, هو أشهر وكيل أعمال رياضي, يدير عقود لاعبين مثل زلاتان إبراهيموفتش و ماريو بالوتيللي وغيرهم من مشاهير اللاعبين. كان يجلس بجانبي سيدة من ويلز في غاية اللطف و زوجها, كانا ذاهبين لحضور مؤتمر في باريس, و تأجلت رحلتهم في الصباح عدة مرات حتى تكنسلت نهائياً بسبب الثلوج, تأسفت من أجلها لكنها لم تكن مستاءة, تحدث كثيراً هذه الأمور تقول لي. كان الحديث معها يعطي شعوراً بالراحة لا يوصف, تلك الإبتسامة المطمئنة التي لا تفارق وجهها. سألتها عن نوع المؤتمر و أخبرتني بأنه عن الصيدلة, قلت لها بسخف أنتِ دكتورة؟ أجابتني بعد أن ضحكت أنها تعمل صيدلية مع زوجها, ترنّ بأذني ضحكتها الخجولة حتى الآن. سألتني بدورها عن سبب زيارتي لباريس هل هي رحلة عمل؟ قلت لها هل يبدو عليّ أني أملك أموالاً كثيرة؟ ضحكت طويلاً حتى استيقظ زوجها الذي غطّ في نومٍ عميق. كانت تقرأ كتاباً من جهاز كيندل صغير تحمله, أغلقَتهُ وتحدثنا حتى وصلنا باريس, تمنى بعدها كلٌ منا للآخر رحلة سعيدة و ذهبتْ مع زوجها ولم أشاهدها بعد ذلك. مطار شارل ديغول أحد أكبر المطارات في العالم, استغرقت الرحلة من مانشستر إلى باريس حوالي الساعة, و أحتجت إلى نصف ساعة من الطائرة لأصل إلى منطقة العفش. في الطريق لإستلام العفش كنت أستمع إلى ضجة قوية, أناس يصرخون وأصوات تصفيق, سألت الفتاة التي تسير بجانبي ما الذي يحدث؟ لكنها لم تكن تعرف. وصلنا إلى هناك و وجدنا أنهم يقومون بتظاهرات بسبب تأخر وصول العفش, يبدو بأنه بسبب الثلوج. سقط قلبي لأني لم أحمل الحقيبة معي في الطائرة, أقتنعت بحديث موظف المطار في مانشستر الذي قال لي أرح رأسك ودع إير فرانس تقوم بعملها. لا أدري ما قصة هذه الشنطة المنحوسة! في منطقة انتظار العفش وجدت رايولا ينتظر مع زوجته ورفاقه, ضحك حينما رأني وقدم إليّ, وبعد أن تعرفنا إلى بعضنا أكثر سألني: لا يحدث مثل هذا في مطار "السعودية" صحيح؟ قلت له لا فنحن دولة مرتبة للغاية. قال لي هيا بنا نلتقط صوراً, أعطيت هاتفي للفتاة التي كانت تسير بجانبي وألتقطت لي صورة معه, وأعطاها هاتفه أيضاً وطلب منها أن تصورنا, قال حتى وأنت لست مشهوراً بعد سأحتفظ بصورتنا معاً. هدأت أصوات الناس لمدة دقائق ثم ما لبث أن ازداد الصخب أكثر من قبل, غمز لي رايولا وأشار برأسه حتى أقدم عليه, سألني بخبث: منصور لو حدث هذا في مطار "السعودية" كنتم ستطلقون عليهم النار صحيح؟ أجبته: مينو أنت رجل ذكي جداً, ولكن من الواضح أن تفكيرك إجرامي. ضحكت زوجته وقالت صدقت! عدت إلى مكاني وتحدثنا أنا والفتاة عن أسباب التأخير, واعتذرتْ بصفتها من باريس عن هذا الأمر وأقسمت أنها المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا, ونادت أحد العاملين المساكين في المطار وأعطته درساً قاسياً عن معنى الحضارة وأن فرنسا دولة تفقد إحترامها الإنساني والثقافي شيئاً فشيئاً, وأن هذا الإستهتار لا يمثل المباديء العظيمة التي قامت عليها فرنسا, ويجرح كبرياء دولتنا التي تجزم أنها في غاية الحزن الآن بسبب ما يحدث في هذه اللحظة الحرجة. تركَتهُ يذهب وأظن أنه سيظل يلعنها في داخله كلما سمع كلمة حضارة وكبرياء, عادت وأعتذرت إليّ عن هذا التأخير الذي كررت بأسى بأنه لم يحدث أبداً من قبل. كنا نتحدث أنا وهي بمواضيع عادية يتحدث فيها المسافرون الذين يعلمون أنها مجرد أحاديث عابرة وسيعود كل منّهم بعدها إلى حياته التي يعرفها, لكن رايولا الذي كان يراقبنا من بعيد كثعلب ينتظر أصحاب المنزل ينامون ليسرق دجاجة لم يعتقد ذلك. عاد هذه المرة إلى الفتاة وصافحها وسألها عن صلتي بها؟ قالت له خطيبي. تنهّد وقال لها أنتِ رائعة الجمال ماذا تفعلين مع هذا الرجل؟ تعالي معي إلى موناكو, أعيش في مونت كارلو, تليق بك مونت كارلو, لم يفت الوقت بعد. ضحكت الفتاة وسألتني من هذا الرجل؟ قلت لها أنه مينو رايولا وكيل أعمال لاعبين. قالت ماذا يعني وكيل أعمال لاعبين؟ ماهذه المهنة الغريبة!. شعر مينو أن الموضوع خرج عن هدفه الأصلي الذي قدم من أجله وقال: سيدتي الجميلة, ليس هناك من حاجة لتعرفي من أنا, ولكن قولي هل ستأتين معي إلى مونت كارلو؟. أجابته الفتاة: لا, أنت قبيح لا تستحق أن أتركه من أجلك. وضع يده على قلبه وقال لقد كسرتيه. بخبثٍ ظاهر. قلت له مينو زوجتك لا تقف بعيداً عني, أستطيع الذهاب إليها الآن وأخبرها عن دسائسك الصغيرة من وراء ظهرها. قال وهو يخفض رأسه أوكي أوكي. ذهب مينو ولم يعد أبداً. انتظرنا في المطار حوالي الثلاث ساعات حتى وصلت الحقائب, كانت سعادة الناس وصراخهم لا يوصف. أخذت تاكسي وذهبت إلى الأوتيل, كنت أتضور من الجوع, وضعت حقيبتي المنحوسة في الغرفة وخرجت أبحث عن مطعم, دخلت إلى أحد الأزقة المعتمة, قفز من ورائي رجل لا أدري من أين, مشى خلفي وهو يعرج وينادي: يا عرب, ياعرب. كان يشبه سلفاتوري في فيلم اسم الوردة, لم أرى أقبح منه في حياتي. مشيت وكما قالت فيروز (اعمول حالك مش عارف) والرجل ينادي : يا أسد, يا أسد. بصوت يشبه صوت توفيق الدقن. والأسد يمشي ولا يلتفت. اقتربنا إلى الشارع وهو لم يزل ينادي: يا شيخ العرب, يا شيخ العرب. وشيخ العرب محتار كيف عرف هذا الرجل أني عربي في هذا الظلام الحالك, وكل من يشاهدني تحت الضوء لا يجزم أنا من أين. على أية حال حينما وصلت إلى الشارع المضيء, بالسرعة التي ظهر بها هذا الرجل المخيف بالسرعة التي اختفى بها. شاهدت مطعماً كنت قد مررت عليه مرتان من قبل وفي الثالثة دخلت. طلبت سمك سالمون و أرز و بطاطس مقلية, نظر إليّ النادل بشفقة وقال تستطيع أن تستبدل الأرز بالبطاطس أو أي طلب آخر تريده, قلت له لا أريدهم كلهم, أنا جائع كثيراً. فجأة انقطع التيار الكهربائي لأقل من نصف دقيقة, كان بجانبي فتاتان طوال الوقت كانتا تضحكان بصخب, غنّت إحداهما حينما انقطع التيار (Happy Birthday). حينما عاد التيار نظر إليها الجميع بإستحقار, لا أدري هل لأنها غنّتها بالإنجليزية, أم لأن هذا المكان لا يليق به هذا الجنون, أم لأنها قبيحة. أعتقد أن هذا هو السبب, وأجزم لو أن الفتاة جميلة لتمنّى الفرنسيون أن ينقطع التيار مرة أخرى ليغنوا معها.
Mino Raiola
Paris
Musée du Louvre
Galeries Lafayette
Institut du monde arabe
Lieux que j’ai aime a Paris
Le Parisiens
كامي, الجالسة في يسار الصورة, ممثلة و مغنية فرنسية. تعرفت إليها في أحد المقاهي في منطقة تسمى لو ماغي, أعتقد أنها منطقة اليهود في باريس, كامي والداها يهوديان لكنها أخبرتني أنها مسلمة بالسرّ وتصلي كل يوم, حتى أنها قرأت لي سورة الفاتحة بلكنة مغربية. قضيت يوماً جميلاً في هذا المقهى مع كامي وجميع الموجودين, كلهم صاروا أصدقائي, ضحكنا كثيراً وسرقت كلب الرجل الواقف, وكامي كانت تصورني فيديو وتقول سأعرضه على مخرجي أفلام ليشاهدوا موهبتك بالسرقة وبالتمثيل. بطبيعة الحال أعدت الكلب لصاحبه. وأنا خارج لم يبقى أحد في هذا المكان لم يقبلّني كأنهم يعرفونني من ألف عام. باريس مدينتان, باريس السياح وباريس الحقيقية, الكل يعرف هذا, منذ وطأت قدمي باريس كنت أريد أن أشاهد باريس الحقيقية, تلك التي يتحدثون عنها, وأعتقد أني قدرت على ذلك. في كل منتصف ليل حينما أعود إلى فندقي الواقع في الشانزلزيه أنظر إلى الناس الجالسين هناك على المقاهي وأضحك عليهم, لم يعرفوا باريس التي عرفتها في خمسة أيام.