Archive for the ‘سنرجعُ’ Category

ذكريات طفولة اليوم الثالث .

الإثنين, أبريل 16th, 2012

(I)
لا أتذكر شيئاً من أحلام طفولتي , هل كنتُ أريد أن أكون طياراً ؟ كل الأطفال كانوا يريدون أن يكونوا طياريين , هذا حلم مشترك لجميع طلبة الصف الخامس , ما أتذكره هو ذكرياتي وليس أحلامي . أتذكر حب أبي لجدي , وحبهما للخروج بعد العصر كل يوم إلى خارج المدينة , يتأملان كل شيء و يتحدثان بأمور لا أتذكرها , لأني كنتُ صغيراً . أتذكر أخي الصغير وهو يجلس على المرتبة الصغيرة الفاصلة بينهما . كنا أحياناً نخرج لوحدنا أبي وأنا , الذي أتذكره أنه كان يحب أن يستمع للشيخ محمود خليل الحصري . وأنا صغير لا أتذكر إلا صوته في سيارة أبي , لم يكن أبي يحب الاستماع إلى الأغاني , لا إلى محمد عبده و لا إلى طلال مداح , في السيارة لم يكن يوجد إلا كاسيتات القرآن الكريم بصوت الحصري رحمه الله . لكني لم أكن أحب صوته , في الطرق الطويلة يجعلني أنام .
(II)
 بعد هذا بسنين أيام دراستي في مصر سكنتُ في مدينة السادس من أكتوبر , قريباً من مسجد الحصري الذي غدا واحداً من أجمل مساجد مصر . كنتُ كلما وقفت على البلكونة وتطلعت إلى مآذنه تذكرت أبي . يوماً ما مرضت , كنت أنام في الصالة وأستمع إلى قناة المجد للقرآن الكريم , في آخر الليل يضعون تسجيلات الشيخ الحصري , أذكر أني كنت متلحفاً واتأمل عمق صوته والأمان الذي فيه , كنت أشعر بالتعب وعدم قدرتي على الحركة , لكن صوت الحصري كان يعطيني قوة لا أدري ما هي . أقول بصدق لم أكن معجباً بصوته قبل تلك اللحظة , كنتُ في الماضي أعتبره صوتاً كبيراً أكبر مني وكما قلت يجعلني أنام في الطرق الطويلة , كان يعجبني صوت سعود الشريم , ولا يزال .
(III)
تذكرت أبي وأنا استمع إلى الحصري في تلك اللحظة , عرفت لِما أبي كان كبيراً في ذوقه , لِما يصل دائماً إلى الأشياء قبل أن أصلها , لِما كانت نصائحه تأتي دقيقة دائماً . أخذت هاتفي وكتبت إليه رسالة أخبره أني استمع الآن إلى الحصري وأذكره , أخبرته أني أتذكر أننا لم نكن نستمع في السيارة إلا للحصري , أخبرته أشياءً كثيرة . كانت هذه المرة الأولى التي أكتب لأبي شيئاً حميمياً كهذا , في آخر الليل . حينما أتذكر هذا الموقف أضحك كثيراً وأقول لو لم يكن أبي يعرفني لأصابته الشكوك أني أعاني من السُكر وأمرُّ بمنحنى عاطفيّ يجعلني أتذكر . لكن ليس من شيء قادر على أن يجعلني أنسى أبي والأشياء التي أحببتها يوماً ما , ليس من شيء يجلعني أنسى أن ذوقه في الأشياء أعمق من ذوقي , وأن أكبر أحلامي أن أكون مثله .

أمي .. برؤيا طفل في التاسعة والنصف من العمر .

الأحد, أبريل 15th, 2012

أمي أغنية , تحب فرد شعرها كأنه مدرج موسيقيّ , ثم تنتظر منا أن نتطلع إليها كأنها قصيدة حروفها نجوى إلى الله . نرجسية تحب نفسها , ونحن نحب حبها لنفسها , تعرفُ أنها جميلة , ومن معرفتها بنفسها نثق نحن أيضاً أننا جميلون ونستحق أن نكون دائماً كما تريد , في المكان الذي لا أحد يسبقنا فيه . أمي لأنها ابنة أناس عظماء ربتنا على أن نكون عظماء بدورنا , صنعت لنا قواعد خفية نسير عليها ؛ فلكل شيءٍ وقتٌ محدد , وصورة محددة , لم تكن تتركنا أنا وأختي نشاهد التلفزيون بعد الساعة الثامنة , لم تقدم لنا دعوة مفتوحة لنشاهد معها المسلسلات المصرية , كانت تُلبسنا بطريقة مميزة , وتشتري لنا أشياء تجلعنا مميزين في المدرسة . أمي جعلتنا أبناءً جديرين بالاحترام من أهالينا وجيراننا , كانوا يبتسمون لدى رؤيتنا ويقولون ياليت أولادنا مثلهم . أمي مضيئة كأنها صباح , كأنها شلال نورٍ لا ينقطع . صوت أمي سماء , وعيناها ربيع . في قلب أمي سبع سنبلات باسقات وزهرةٌ لا يشبهها شيء .

هناك من لا ينسون .

الثلاثاء, فبراير 14th, 2012

أقسم أني أردته أن يمرّ كأي يومٍ آخر . لكن ماذا عساك أن تفعل لو كان الذين حولك لهم رأي مختلف ؟ أعياد الميلاد الأخيرة مرت مضحكة , أفكر قبلها بيوم أو يومين وأشعر أنها ستكون حزينة , لا أدري لما , فتأتي عكس ذلك . قبل أقلّ من عام كنا في طريق السفر , ضحكت وأنا أسوق وقلت لأمي فجر اليوم وأنا أفتح الثلاجة قرأت تاريخ الانتهاء الهجري على اللبن واكتشفت أن اليوم عيد ميلادي ! ضحكت أمي .. ضحكت فقط , ثم تحدثنا في موضوع آخر . بمجرد وصولنا نمت ثم في آخر الليل لما صحيت دخلت الانستجرام وإذ بسارة تنشر صور لكيكة عيد الميلاد ( التي فكروا بعملها منذ أيام ) عليها صورتي وأنا صغير , رسمتَها بأناملها الجميلة , وكتبت أنهم مستعدون ( للمفاجأة ) بإنتظار أن أستيقظ فقط من النوم ! على أية حال كنت أعتقد أن الموضوع مجرد كيكة وتفاجأت أن هناك أشياء أجمل أجمل مما تخيلت , كفتني فقط ابتسامة أمي ودموع أمي . تبكي أمي لأي شيء , لكن دموع فرحها جميلة , تلمع عيناها كألماستين . لا أحب أن تبكي أمي , لكن دموع فرحها أمر آخر , وأحبه . كان عيداً جميلاً ذاك الذي على البحر واعتقدت أن تلك الحميمية لن تتكرر أبداً . لكن اليوم ؟ كان نفس الذهول حينما شاهدوني أقوم من النوم الساعة 11 مساء على غير المتوقع . هل تلاحظون أنه في عيد ميلادي أنام لآخر الليل ؟ الموضوع يحتاج إلى دراسة . كانوا مستغربين وأمي تسألني وش صحاك ؟ أخبرتها أردت الصلاة فقط . ثم لما جلست كانوا يتحدثون عن عيد الحب , فقلت : اليوم عيد ميلادي ! مع أني وعدت نفسي لن أقول شيئاً عنه لكن ما باليد حيلة , أحياناً نتحدث لأننا نريد أن نتحدث لا أكثر . الحقيقة أني لم أقوى منذ الأمس الساعة 12:01 AM على منع ابتسامتي , شعرت أن هناك أشياء جميلة تحدث بالجو , أن عصفوراً سيحط على كتفي الآن , أن قطط الشوارع تنظر لي بمحبة , ربما من أجل ذلك قلت لهم أن اليوم عيد ميلادي , فإن شعرتم بشيء ما مختلف فتأكدوا لأني ولدت في هذا اليوم قبل بضع وعشرين سنة وليس لأنه بكرا عيد الحب ! ضحكت أمي كالعادة .. وأدارت وجهها وقالت : أنا قديمة , أعترف بالهجري بس . كان تعليق أبي اللطيف أني لحقت عيد الحب . يعني لا بأس قبله بيوم , قريب منه . أكلت معهم العشاء وقلت سأرجع لأنام . لم أنم طبعاً لأنه لم تمضي دقائق حتى كان أبي يدخل إلى الغرفة حاملاً الكيكة بيده ؛ أمي بجانبه وليان تحمل شمعة قبل أن يدخلوا وهي تصرخ طفت طفت ! هل يمكن لكم أن تتخيلوا مشهداً أجمل من ذلك ؟ دفنت وجهي بداخل اللحاف وأنا مذهول لا أدري ما عساي أن أقول . ما عساي أن أقول ؟ كانت كيكة بيضاء كبيرة وعليها صورة Midnight In Paris  التي وضعتها من قبل في إحدى التدوينات ؛ وأبي يحملها . الصورة فكرة سارة , اختارتها قبل حتى أن أكتب عن أمنيتي بالاحتفال بعيد ميلادي عند برج إيفل . هل هناك أجمل من هذه المصادفة أيضاً ؟ أن يكون برج ايفل على كيكة عيد ميلادي ؟ طبعاً لن أخبركم أنها ليست حمراء كفاية , لأن المحلات تخاف في هذا اليوم من إظهار أي شيء أحمر وتحايلوا على ذلك بتخفيف اللون الأحمر وإضافة لون آخر غريب أشاهده للمرة الأولى معه . أردته أن يمرّ كأي يوم , حتى لا يذبل قلبي إن نساه أحد , و لم أفكر أن هناك من لا ينسى للحد الذي أحتفل بعيدين في عام واحد . شكراً لأبي على هذه الحنية , شكراً لأمي , قمري الذي لا يغيب , لأنها قامت بكل شيء وأعتذر أني فوتّ عليكِ نومة العصر : ) , شكراً لسارة لأنها التي لا تنسى .. شكراً لكل من أرسلوا لي وغمروني بهداياهم الجميلة . وكل سنة وقلبي بكم أكبر .

يابهيّة المساكن .. ياقُدس

الثلاثاء, مارس 1st, 2011

أحب أحاديث جدتي , أحب غموضها وأني لا أعرف عنها أي شيء كطلسمٍ مقدس في كتابٍ إلهي لا يفك رموزه إلا الراسخون بالعلم , العلم بها بطبيعة الحال , حتى اسمها الحقيقي لا أعرفه سوى أنها فاطمة وأنها من أصل تركي وأن جدي رآها في أطراف الحجاز وأحبها وتزوجا , هذه رواية عشق ؟ لا أجزم , لكن هو كل ما أعرف عن جدتي فاطمة وأخبروني به . أذكرها بطفولتي أنّا كنا نزورها في بيتها على تخوم البحر فتقربنا بحضنها وننام أنا وأختي على أرجلها وتحكي لنا من قصصها الجميلة والمضحكة ثم تدغدغنا بعدها وتعضّنا . لقبها المتعارف عليه بيننا ( أمي جدّة ! ) وكنا نقوله ونضحك وهي تطاردنا وتعضنا وتنفي كونها أمنا الجدة . تغير هذا كله بالتأكيد وأصبحت أناديها "يمه" مجردة مع حنيني إلى مناداتها ما كنت أناديها به , وإن كان أخوتي الصغار لا يزالون ينادونها بهذا الاسم وهي لا تزال تعضّهم إذا قالوها . رأتْ كثيراً وسافرتْ كثيراً , اسألها عن أحلى مدينة زارتها بالعاااااالم ؟ فتردّ بأدب من يُقدّر النِعم ( كل بلاد الله جميلة ) فاسألها بس أكيد في بلد حبتيه أكثر شيء صح ؟ فتطأطئ رأسها بتواضع وتقول بلد الرسول عليه الصلاة والسلام , ومكة المكرمة . لا تزال تعظيمات بني عثمان بدمها لكل ما هو مقدس . وعن القدس اسألها , فتقول زرت فلسطين كلها , القدس ويافا وحيفا والجليل وأريحا , الضفة الغربية كلها . فأرجع وأقول والقدس ؟ وأشعر أن هناك حرقة في صدرها لا تود لها أن تخرج فتقول كنا أنا وجدك لا نقضي الصيف إلا فيها . أعرف هذا , عرفته مصادفة قبل زمن حين كنا في الأردن ومررنا على الأغوار وهناك تذكر خالي الكبير هذه المناطق التي زارها وهو صغير مع أبيه وأمه حجاً لفلسطين والقدس , كنتُ نائماً في المقعد الخلفي عند أمي ولما سمعت القدس قفزت وقلت : زرتم القدس ؟ وأخذ يسهب بذكرى الأمكنة والحنين . من حينها وأنا أقول إن رأيت جدتي لابد أن اسألها عن القدس . سألتها ألف مرة ونسيت كل حديثها .. كلنا ننسى هي وأنا , ولم أكن اعتدت الكتابة بعد . تقول أنه قبل الحرب لم تكن هي وجدّي يقضيان الصيف إلا في القدس , فأسالها أي حرب , 48 ؟ فتهز رأسها بالإيجاب . ربما هي حرب 67 فهناك أُسرت القدس , لكن الحرب هي الحرب والمعنى واحد مهما اختلف الموعد والسقوط . المعنى أنها لم تذهب إلى القدس بعد ذلك إلا لِماماً , ويحترق في صدرها شيء وهي تقول بلغة السماء ( أعادها الله إلى المسلمين ) . اسألها عن المسجد الأقصى والصخرة , فتقول أنها صلّت بكِلاهما , تقول لي بسردٍ تاريخي عن الصخرة أنها المكان الذي وضع الرسول عليه الصلاة والسلام رجله الشريفة حال معراجه إلى السماء وهذه الصخرة أرادت الصعود من مكانها تتبعه فقال لها قفي يا مباركة وبقيت على ارتفاعها , هذه الصخرة كما تصفها مرتفعة أربعة درجات عن الأرض , هناك صلّت , وعلى هذه الصخرة بنى بني أمية قبة الصخرة ومسجدها . تحت هذه القبة مباشرةً صلّت جدتي أكثر صلواتها خوفاً ؛ اسألها باستغراب لما ؟ فتقول لأني صليت فوق بئر الأرواح . هذه المعلومات كلها أسمعها للمرة الأولى , لا أدري شيئاً عن بئر الأرواح هذا على كثرة ما أحببت القدس وقرأتها , لكن على أية حال هي من صلّت هناك لست أنا , وهي من رأتها عياناً ورأيتها تصوراً , هي من لمست الصخرة بيداها وأنا اكتفيت باستشعارها في قلبي . تقول أنها وهي تصلي كانت تسمع أصوات الأرواح تسري تحتها , وتقلّد أصواتهم جججج . أعدت القراءة من جديد عن القبة ووجدت أنه " يوجد أسفل الصخرة كهف به محراب قديم يطلق عليه مصلى الأنبياء " لعل هذا الذي تعنيه . أصابتها الرعدة هناك حتى بالكاد أتمتّ صلاتها , تقول ذلك , وأنا أشعر أن بعدها ذهبت تركض إلى جدي ليقيها من برد ما أصابها . في ذاك الوقت حملتْ أعز ذكرياتها عن القدس , فهي عاشت شهراً بأكمله هناك , شهر الفراق بَعدهُ عنها , وإن كان فراقاً غير كامل , فهي تخبرني أنها كانت تزور عمّان ما تسنى لها ذلك مع جدي ويذهبون سوية إلى القدس كل جمعة يصلون في المسجد الأقصى , حديثنا هي وأنا كان في صباح الأحد وتشير من دون النظر إلى الساعة أنها كانت تذهب معه رحمه الله في مثل هذا الوقت , كأنها ذهبت معه قبل الأمس بالتحديد . كانوا يأخذون معهم غداءهم ويصلون في باحات الحرم حيث المسجد بالداخل ممتلئ عن آخره , وبعد الصلاة يفرشون طعامهم ويأكلون تحت ظلال الأشجار , وتبتسم هنا جدتي ابتسامة لم أرى يوماً أجمل منها بعينان رماديتان لم تأخذ هموم سبعين عاماً منها جمالهما . أنها كانت تأكل الطعام مع جدي تحت ظلال الزيتون في باحة المسجد الأقصى هذا هو أعظم ذكرياتها وذكرياتنا من بعدها . وتلعن اليهود , هي لا تدري معنى معاداة السامية التي أزعجوا رؤوسنا بها , لكنها تلعن اليهود الذين سلبوا منها القدس والذكرى .

Ne Me Quitte Pas

الإثنين, نوفمبر 9th, 2009

تخنقني الأماكن المغلقة , تضيق بي وأضيق بها .. ولدتُ بمنزلٍ فسيح , أقصد كانت حديقته واسعة وكبيرة وملئى بالأشجار من كل الأنواع تقريباً , أذكر أن هناك أشجار ليمون وزيتون وعنب وسدر ورمان ونخل بطبيعة الحال , بالإضافة إلى أشجار الزينة الكبيرة التي لا أعرف اسمائها , وأذكر ونحن أطفالاً أن قمنا أنا وأختي بزراعة بطيخ وأثمر . كانت أرضاً خصبة ومباركة ينبت فيها أي شيء ؛ كل هذه الأشجار كنا نأكل منها ؛ كانت جدتي حينما تزورنا تقوم بقطف الزيتون لتصنعه , لم نكن نشتري الليمون مثلاً أو العنب من السوق فهو يثمر بكثرة لدينا . كانت عريشة العنب كبيرة جداً , والدتي امرأة ذكية ولديها عقل هندسي , وضعت عريشة العنب في موقع استراتيجي على مساحة تمتد لعشرة أمتار طولاً وعرضاً , وكانت شجرة العنب التي بدأت صغيرة أول الأمر لم تلبث أن تمددت على كامل العريشة , وهو ماكان يجعل الجلسة تحتها أمراً ممتعاً , هناك كانت جلستنا الصيفية , قبل غروب الشمس بنصف ساعة إلى منتصف الليل تقريباً , كنا نقوم برشّ المنطقة بالماء آخر العصر حتى تبرد , وقد اشترى أبي زيراً نملأه بالماء , كان في عزّ الصيف شديد البرودة . ومن بعد صلاة المغرب يأتي رفاق أبي إليه كل يوم يجلسون هناك حتى أذان العشاء فيذهبون بعدها إلى الصلاة . بجانب هذه الجلسة كان المشبّ الذي تحدثت عنه سابقاً , كان في الماضي موقف سيارات وحوّله أبي بذكاء إلى مشبّ .. على بساطته إلا أني لم أرى يوماً أجمل منه , وقد رأيت كثيراً . كنتُ أحب عريشة الياسمين أمام المدخل , كانت الأقرب لي ولا أدري لما , كأننا أشقاء . ربما لأنها الشجرة الوحيدة التي أذكر أن أمي زرعتها , وأنا زرع أمي .. أما باقي الأشجار فأعتقد أن جدي هو من زرعها , كان جارنا , ولكن لا أذكر ذلك إلا من الصور فقط , لأنه قام بتغيير بيته ورحل عنا وأنا صغير لمّا أدخل المدرسة بعد , كان بيننا وبينه باباً أعرفه لم يُغلق ساعةً من نهار , وحينما رحل قمنا بإزالة الباب وبنينا مكانه جداراً . رحم الله جدي .. متى يرحل تتحول الأبواب إلى جدران , وتضيق الأمكنة .

يفداك من سافر وجا : )

الجمعة, أكتوبر 16th, 2009

(L)

السبت, يوليو 4th, 2009

قلّو عيونو مش فجأة بينتسوا
ضحكات عيونو ثابتين .. ما بينقصوا : )

إلى أبي وأمي وملحقاتهم

الأحد, يونيو 14th, 2009

 

 

 

انتظروني .. يا ساكنين عيوني

 

 

 

ليلو في قلوبنا (L)

الجمعة, أبريل 3rd, 2009

صغيرتي ..
الأمر لا يشبه أبداً كتابة كلمة قد تكون أو لا تكون معبّرة بأوتوغراف مذّهب قد يكون مغلقاً بقفل تخبأين مفتاحه تحت وسادتك , أو عبارات قد يحملها كارد مع بوكيه ورد يلقيه الساعي عند عتبة بابك , لا يمكن أن يحصل ذلك إطلاقاً لأنني ببساطة تبعدني عنك مسافات لا نستطيع أنتي بعقلك الصغير وأنا بأصابعي الطويلة حسابها , هذه المرة لم اشأ أن أكون بعيداً عنكِ وعن أحداثك المثيرة يا جميلتي ولو بأحرف لن تستطيعين قراءتها حتى بعد عشرة أعوام . أنتي الأقرب لي في كل شيء , شبهاً ودلالاً , وهو ما تؤكده هذه الصور في مناسبة مشابهة , غير أنك الأكثر مرحاً وقدرةً على اقتحام قلوب الجميع وأعترف بذلك .. ولكن مهما حاولتي سأبقى أنا الرقم "1" P: ولتشعل الغيرة قلبك الصغير .. أحبك جداً وليمنحك الله من العمر ما نتعب بحسابه أنتي بكل ماتملكين من ذكاء وأنا بكل ماعلى هذه الأرض من حاسبات !

أخوك : )

والمسافات قشرا مالها والي ..

الأحد, يناير 4th, 2009

 

ذكرياتي قليلة .. أعدها على أصابعي و ينتابني الخوف من فقدها , لذلك دائماً ما أرددها بيني وبين نفسي , كثير من ذكرياتي لم أعيها , يحدثني عنها والديّ وأقربائي . كنتُ صغيراً واعتاد أبي أن يأخذني للتمشية كل يوم , مررنا على أحد المرتفعات وهناك بدأت أغني لوالدي أغنية لمحمد المسباح مطرب عمي المفضل ( ويبدو أني حفظتها منه ) ولكن مع تبديلات شنيعة للكلمات " تموت إنتا تموت " , والدي الذي يتأثر كثيراً من هذه المواقف , عاد سريعاً إلى البيت وهو حزين , شعرت والدتي بالخوف أيضاً وسألته ماذا حصل !؟ فقال لها أني كنت أقول له تموت إنتا تموت فأخبرته والدتي أنها أغنية لمحمد المسباح اسمها " تمون إنت تمون " فاطمأن بطبيعة الحال وعدنا إلى التمشيات الجميلة .
موقف آخر أيضاً مع والدي أتذكره , ذهبنا للسوبرماركت وكانت هي المرة الأولى التي يقول لي فيها والدي ( خليك بالسيارة ) , بالطبع أثرّ بي كثيراً في حينها , أن أبقى بالسيارة هذا يعني أني لن أشتري أي شيء ولن أقوم بملأ كيس من الحلويات والعصيرات , عاد أبي بسرعة وحينما ركب سألته : " بابا عمرك دخلت السجن ؟! " يبدو أني كنت أنتقم P: , وتماماً كما أخبرتكم والدي الذي يتأثر كثيراً من هذه الأشياء غضب وقام بالصراخ عليّ .. يبدو أنه كان يمرّ بيوم سيء وختمها بي P: .
أتذكر أنه إلى فترة قريبة كان والديّ يحتفلان بعيد ميلادي , كانت طاولة الطعام الكبيرة توجد بالمخزن , كان عيد ميلادي وبلا مبالغة مناسبة اجتماعية يجتمع بها جميع الجيران , والجميع يرسل قبلاً أطباق الطعام لذلك نحتاج إلى طاولة كبيرة , فأخرجناها أمي وأنا من المخزن كانت مغبرة ولونها أبيض , أذكر أننا تعبنا كثيراً لندخلها إلى الصالة حيث كانت أكبر من الباب وأوراق الزينة معلّقة على السقف والجدار , لا أدري لماذا هذا المشهد لا يفارق بالي , ولكنّي كنت أشعر حينها بسعادة لا توصف ! كانت سعادة  تكفيني عمراً , لديّ صورة الآن لأحد أعياد ميلادي وأنا صغير , أعطتني إياها أختي , يظهر بها والدي وهو يحملني , وبجانبه أمي وهي تحمل أختي , كنت أتذكر صورة لجديّ بأحد أعياد ميلادي ولكن لا أدري أين هي الآن .
من الذكريات التي لا تفارقني , كنت يوماً مع خالي وعمتي رحمها الله مسافرين بالسيارة , أذكر أنها قالت لخالي أن صوتي جميل وطلبت منيّ أن أغني , كنت محرجاً كثيراً ولكن قمت بغناء " شمس بيني وبينك " , وأنا أغنيها أقبل خالي على نقطة تفتيش وفجأة لم تعد تعمل المكابح وكاد أن يصطدم بها لولا الله ثم أنه أنزلها على التراب وبدأ يمشي بها هناك إلى أن توقفت ! لو صدمنا كنا سنكون " شمس بيني وبينك " بالفعل ! الله ستر ..
من الأشياء التي تعجب جدي كثيراً ويرددها لي دائماً هو اسم كان يناديني به ابن جيراننا الشامي p: الذي كان بعمري , لم يكن يناديني منصور وإنما " مرثون " هههههههه من أين اتى بهذا الأسم لا أدري , وأصبح جدي يناديني به دائماً , حتى هذا الوقت إذا أراد أن يضحك يناديني مرثون ! يخرب بيت الإسم الفشيلة بس .
أتذكر جدتي رحمها الله , كنت أتخيلها إنسانة صارمة جداً , دائماً تلفّ رأسها بعصابة لونها أحمر , لم تكن تضحك أو تتحدث كثيراً , وفي أحد أيام الجمعة وأنا أصلي شعرت بالإختناق وكدت أسقط من التعب , فقطعت الصلاة وعدت إلى منزل جدي , رأتني جدتي رحمها الله وسألتني مابك , فأخبرتها أني أشعر بالتعب وتمددت قريباً منها , ولم أشعر إلا وهي تقف عند رأسي وتمسح عليه وعلى وخدي , وأعطتني بعض الأدوية وطلبت مني أن أستريح , تحولت كل صرامة الدنيا التي بها إلى حنان لا يوصف , يرحمها الله كانت قوية حتى في حنانها .
أخشى من اليوم الذي أفقد فيه ذكرياتي , سأعلم حينها أني بدأت بفقد حياتي , وأني سأعد أيامي على أصابعي كما كنت أعدّ ذكرياتي ..

* الصورة جدي وأنا , اعتدت أن استقبله كل يوم حين يعود من عمله ليعطيني ريالاً , وأنا هنا مشرعٌ أجنحتي أنتظر هذا الريال .

ليلنا الذكرى ..

الثلاثاء, أكتوبر 7th, 2008

بالأمس عدت إلى القاهرة ومنزلي الممتلئ بالأتربة والغبار 😛 ,هذه المرة الأولى منذ سنوات التي أعود فيها من الإجازة والسعادة تغمرني بهذا الشكل الذي يلحظه بي كل من يراني , حتى أنه بمجرد وصولي ذهبت إلى السوبر ماركت المجاور لمنزلي وأخبرني البائع بأنه يحس أن هناك اختلافاً بي , كنت أعتقد أنه يقصد وجهي فأنا لم أنم منذ 3 أيام إلا ساعات محدودة , ولكنّه فاجأني بقوله أنه يشعر أني أصبحت أكثر تفاؤلاً وحيوية , أعترف بأني أحسست باختلافي وتغيري في هذه الإجازة , أصبح داخلي أكثر هدوءً عن قبل , وأصبحت متطفلاً لا أرى أمي وأختي تتحدثان حتى أحشر أنفي وأقول " ايش ايش " 😛 وكنت انطوائياً لا آبه بشيء مطلقاً عدا نفسي , أفكر بليان كثيراً وأشعر أنها كانت سبباً رئيسياً في تبدلي , أتذكرها وأشعر أني على وشك البكاء .. وأسمع ( دادا ) الاسم الذي تناديني به يتردد صداه في أذني واستيقظ عليه من نومي , وأعود لأحلم أن أذهب إليها وأحتضنها وأقبلها كثيراً , أفكر بوالدتي وكم أنا ممتن إلى الله أن وهبني إياها بقلبها الممتلئ بياضاً , وأختي الجميلة ( أغلى ناسي 😛 ) بأحاديثها التي لا تملّ ودمها ( الشربات ) , لا أحد قادر على إضحاكي طويلاً كما تفعل هي , كنا نحن الثلاثة معاً طوال هذه الإجازة وكم تمنيت لو أنها لا تنتهي لأكون معهم أكثر , رهف ورغد ولمى صديقاتي الصغار اللائي بكين ليلة سفري وجاءت سديم تركض لتخبرني بذلك في مشهد مضحك للغاية , أتذكر والدي المبتسم في وجهي دائماً بدفء ودعواته التي لا تنقطع , هو مصدر فخري واعتزازي الدائم . دحومي الذي لم يفارقني يوم سفري وقام بتجهيز كل شيء بدءً من السيارة التي ستوصلني حتى الساندوتش والعصير لآكل قبل الذهاب 🙂 , كلهم كانوا السبب في سعادتي , واجتماعنا هو أكثر ما يعزّ عليّ فراقه , هذه المرة الأولى منذ سنوات التي لم أفتعل فيها المصائب وأذهب !

ما نسينا الود لو حنا بعيد ..

4-10-2008

ليلو :)

الثلاثاء, أغسطس 5th, 2008

أختي ليان , المفروض أقول أخوي بس يله 😛 .. هي بصراحة أحسن طفل شفته , مو لأنها أختي .. بس بجد مافي أحد يِشوفها إلا يحبها , لأنها جريئة وتحب الناس ماشاءالله وحركاتها حلوة كثيير , وماعندها دلع الأطفال اللي يرفع الضغط .. ماتخيلتني أحب طفل وأتعلق فيه زي ما حبيتها و تعلقت فيها !

يحفظها يارب ..

 

لاح لي وجه الرياض ..

الثلاثاء, يوليو 1st, 2008

يا جدي , لم أتمنى يوماً أن كنت كبيراً كما أتمنى ذلك وأنا في حضرتك , أتأملك وأنت تتحدث وأقول في نفسي لو أني كنت في عمره , فقط لأكون صديقه , حديثك يفتنني يا جدي , أعلم أنك قليل الكلام , ورثت ذلك منك كما ورثت يدي التي أضعها على جبيني حين أفكر , حديثك قليل ولكنّ مداه واسعٌ كأنه سماء , و صوتك الجهوري القديم كأنه طيور جارحة تحلق فيه , أتعلم يا جدي .. لم تعد أصوات الناس جهورية كما هو صوتك , أصواتهم انطفأت كأنها خلقت لتزول ! وإني حين يقتلني الحنين أجترّ صوتك كما تجتر الإبل عشاءها في عتيم الليل , صوتك خلق ليبقى يا جدي .

وأحب ذكرياتك كما لو كانت ذكرياتي , لم تحدثني يوماً عن طفولتك ولا عن صباك , لا أعلم عن ذكرياتك إلا ما أخبرني به أبي , لا أذكر إلا أنك قلت لي مرةً أنك صعدت برج إيفل ثم أصابك البرد الشديد حتى تجمدت , وتمنيت في حينها لو أن لي جناحان لأطير للبرج وأصعد إلى النقطة التي وصلتها فقط لأتجمد من البرد كما حدث معك , أهيم بذكرياتك يا جدي وأقصّ أثرها أينما سرت , هل تعرف أحداً يحب ذكريات غيره كما أحب أنا ذكرياتك !؟ , أعلم أن بها كثيراً من الألم ومما لا تود أن تذكره , ولكن ذكرياتك فاتنة حتى بآلامها . وأنا صغير سمعت من والدي أنك أصبت بحادث سير ونجاك الله , ثم أتينا لزيارتك ورأيت يداك ورجلاك داخل الجبس , لم أفهم ما الذي أراه , ولكني لم أخف منه , لأني رأيتك تبتسم .. أو ربما هكذا تهيأ لي , وذهبت بعدها لألعب .. هل تذكر " هوّ الأصول " يا جدي !؟ , كثيراً ما يعيدها والدي وهو يضحك , كلنا نحب ذكرياتك يا جدي ونرددها دائماً !

وأحب حين أزورك في الصباح وأجلس إلى طاولتك وأنت تتناول قهوتك , ثم تصب لي الحليب وتضيف عليه القهوة الحلوة , وتغضب حينما تراني أملأ كوبي من السكر , وتخبرني أني سأندم في المستقبل , وأبتسم لك يا جدي وأتوقف عن إضافته , وأقول في نفسي يكفيني السكر الذي تقوله , ثم تأتينا زوجتك وتبدأ بشتائمك التي أعشقها , أضحك حينما تحدّث زوجتك بأشياء لا تفهمها هي لتسألني بعدها " وش يقول جدك ؟ " ثم تصرخ فيها " قاتل الله الجهل " وتعود لتقرأ الجريدة , كم تكرر هذا المشهد !؟ , بالنسبة لي أراه كل يوم و أود أن لا ينقطع .. فنذهب للسوبر ماركت وتغضب من عدم التزام الناس بالنظام على الطريق فتبدأ بشتمهم ( جحوش ) , وأنا أأمن على كلامك وأقول " اي والله يبه " وتهز رأسك بحزن , لسنا بأمريكا يا جدي التي عشتَ فيها طويلاً وأحبّك الناس هناك حتى بكوا حين رحيلك , و أعطاك عمدة المدينة مفتاحها الذهبي لتسرقه منك خادمة هنا تعمل لديك , لا تحزن يا جدي على شيء , دعنا نحن من نحزن عنك , أنت أجمل من أن تحزن من شيء !

( عندك مكانة وصيت كبير .. في عندك عندي من التقدير شي كتير ) هل غنته فيروز لك يا جدي !؟ , كأنه كُتب من أجلك .. هكذا أتخيله دائماً حينما أسمعه , يوم تعلمت الشعر أول ما كتبت كان لك , كانا بيتان لا يجبر كسرهما شيء , وكنت شديد الخجل لا أدري كيف أوصل ما كتبته إليك , وفي يوم تشجعت وأريتك إياه , لم تقل لي شيئاً .. لم تقل أعجبك أم لا .. فقط قرأته وأعدت قراءته أكثر من مرة , و هززت رأسك لا أكثر .. لم أكتب بعدها شعراً لسنين , كأني وصلت للغاية حينما كتبت لك !

أحبك كثيراً يا جدي , وأحب حديثك وصمتك .. وأتمنى أن كنت كبيراً كفاية لأحظى بصداقتك , لأتجرأ حينها وأسألك عن كل شيء .. فتجيب بصوتك الجهوري الذي خلق ليبقى أبداً ..