Fin

حقيقة كوني طاريء هذا لا يغير من الأمر شيئاً , فأنا لا أحب الإطالة , فقد خلقني الله من عجل , لذلك مللي كان أمراً طبيعياً , و يعجبني على كل حال , يعجبني نعم , فأنا لم أدعي الطهر يوماً لأني أعرف أني خُلقت على عجالة من طين الدنيا وليس من طين الجنة , و لا يغضبني هذا الأمر إطلاقاً , فلعله خير , ربما لو كنت من طين الجنة لما كنت أقف الآن أمامكِ مبرراً كوني طارئاً و ملولاً , الحقيقة أني أعلم مقدار التغيير الذي أوجدته فيكِ , خلقني الله عابثاً و كاريزمي في آن , بإستطاعتي تغيير كل شيء , و قد استطعت , رغم كوني لا أملك شيئاً إلا أني استطعت أن أغير فيكِ أنتِ الفتاة المترفة التي لا يعجبك شيء كل شيء , لكنتُ باقياً معكِ الآن لولا أختكِ الكبرى كانت لي شوكة , أذكر المرة الأولى , المرة الأولى حينما كنت أقف مستنداً على جدار و ارتدي شورتاً يغطي ركبتاي و كت , يوم بعثت لك بالخاتم الذي أعدتيه لي , كنت أنظر إلى رسولي و هو مرتدياً ثوبه وشماغه و يسير خلفكِ يريد أعطائكِ الخاتم , كانت أختكِ الكبرى تراني , لم تكن منشغلة بذلك الغبي الوسيم الذي يلاحقهم بالهدية , بل بالواقف مستنداً على جدار , بعيداً و لا يكاد يبين , كأنها علمت أني مهندس كل ما يحصل الآن, و علمتْ أن أختها الصغرى التي ربتّها ستطير عنها محلقةً خلف هذا البدوي الذي يرتدي شورتاً و كت و يكتّف يداه و لم ينبس بحركة مذ رأته , رغم إنها تكره الرجال منذ أن هجرها عشيقها لا أدري إلى أين , إلا أنها توسمت فيّ خيراً , رأيت ذلك في صوتها و هي توصيني بكِ خيراً , كانت تحدثني كثيراً , تخطف منكِ الهاتف لتقول لي شيئاً تذكرته , و بعد أن تنتهي تقول لي هل سلّمت عليك ؟ و أنا لا أرى فيها إلا الشوكة , الحقيقة أن ابتعادكِ عني الآن كان بسبب النزاع عليكِ , كنت أريدكِ حرة و كانت تريدكِ حبيسة أمرها , أخذتكِ عنها بعيداً و عن كل شيء , لم يكن هناك في العالم سواي , و أنا أيضاً لم يكن لي في العالم سواكِ , ذاكرتي ضبابية إلا منكِ , شيء مريب أن لا يكون في ذاكرتي من تلك السنوات غيرك , أذكر مللي الكثير , و أذكر المرة الأخيرة حينما قلت لك وصلنا النهاية , و بكائكِ الذي لم يكن يهز فيّ شعرة , وقتها لم أكن مهتماً لبكائكِ بل كان فكري مشغولاً بالغرفة التي كنت فيها , كانت فارغة فارغة سوى من صدى صوتي , كنت أقول النهاية , و يرتد إليّ صوتي ملعوناً بالنهاية , لم يكن بها سوى فراشٍ بسيطٍ أنام عليه لا أذكر لونه , كنت حينها في المدينة المستقيمة و كنت فقيراً , كان بيتنا فارغاً من كل شيء , إلا من صدى النهاية التي بقيت لعنة فيه , كنت فقيراً حينها و لا أدري لما كنت أحب , لم يخلق الحب للفقراء , فالحب غالي الثمن , متطلباته أكبر من أن يوفي بها فقيٌر مثلي , لعنت الحب والفقر معاً حينما اتصلتي بي تطلبين مجيئي فوراً , كانت هناك مفاجأة بإنتظاري , صورك التي طلبتها منذ زمن أخبرتني أنها جاهزة الآن لآخذها , فأخبرتكِ أني سآتي حالاً , و الحقيقة أني لم أكن أملك سيارة حينها – و لا أزال – , و كان الجنون يعبث بي و أنا متكئٌ على عتبة المنزل أدخن , فخطرت لي فكرة أن أسرق سيارة لآتيك , تذكرت بدوراني الكثير في الشوارع أن هناك جمساً بابه لا يُغلق جيداً , فسرقته ! كنت أسير على الطريق بسرعة جنونية , لم يكن تفكيري وقتها فيما لو خرج صاحب المنزل و لم يجد سيارته في مكانها ماذا سيفعل ؟ بل كان تفكيري أن سرقة الجمس خطيرة , فأنا أسير الآن بقبرٍ متنقل , كان همّي ماذا لو أن أحد الإطارات غير جيد فأنقلب ؟! كنت أسير بسرعة جنونية حتى وصلت إلى منزلك ووقفت أمام الباب وأخذت الصور منك و عدت إلى السيارة ولم أتحرك , و إنما بقيت اتأمل فيها و بجمالك العذري و فستانك الأسود و شعرك المنسدل , ثم سرت فرحاً ليس لأني أحمل صورك فحسب , بل كنت معجباً بصوت الجمس القوي , كان حيكم الراقي مليئاً بالمطبات الاصطناعية و كنت وراء كل مطب أزيد من السرعة فيأتي صوت الشكمان مهيباً , ثم عدت أيضاً بسرعة جنونية و أعدت السيارة إلى صاحبها , فكوني سارق لا يؤثر بكوني نبيل , الشيء الذي لم يفارقني أبداً هو صوتك , رباه كم كان صوتك مختلفاً , كان صوتاً سكناً يبعث الطمأنينة في قلب من يسمعه , كان حديثك معي خليطاً بين العربية و الأنجليزية , كنت أعشق حديثك بالأنجليزية و طريقة لفظك للكلمات , كان منتهى سعادتي حينما تقولين لي ( كوم اون ) و أنا الذي كنت أنطقها ( كمان ) , كنت أحبك حينما تتحدثين , أحاديثك بريئة وصافية , و حينما أحدثك أنا لا تفهمين شيئاً من بداوتي , و رغم ذاك كنتِ تحبينني , أنا الكاريزمي الذي جعلتك بدوية مثلي , و علمتك كيف ( تشبين النار وتسوين الدلة ) , بعد أن كانت أحاديثك كلها عن بيتكم الصيفي في جنيف , و والدتك التي تصرّ على والدك أن يشتري شقة أيضاً في لندن لأنها ملّت من جنيف , و ملل الناس مختلف عن مللي أنا الطاريء المخلوق من عجل , كنت أملّ أيضاً صوتك الجميل و أنام وأنتِ تتحدثين , لم تكوني تغلقين الهاتف حينما تسمعين نفسي المتصاعد , تظلين منصتة له حتى أستيقط بعد ساعات فأجدكِ على حالك , فأطلب منك إكمال حديثك و تتمينه , لم تكوني تغلقين الهاتف حين أنام , من أجل ذلك أتى صدى صوتي ملعوناً في تلك الغرفة الفارغة من كل شيء إلا النهاية !

3 تعليقات to “Fin”

  1. يقول l’aurora:

    ولا نهايه لهكذا حب

    فأنت مللت وعجلت وهي متمسكه متشبثه,,,بروحك طين الارض وبروحها طين الجنه..

    مبدع ورااائع بحق,, لااريد ان اكثر كلام ولكنها اعجبتني جدا,,وهذا هو رأيي…

    l’aurora

  2. يقول سنبلة:

    الأحاديث التي – أعلاه – تمنحني دائمًا ذات البسمة
    التي تتسّع حتى تحتال صوتـًا كـ “هه” . في النهاية .
    .
    ( F)

  3. يقول Lament:

    l’aurora

    أهلاً بالعمات الحلوين 🙂
    المشكلة أنه انتهى يا مها ,
    و لعلك تقصدينه هو بـ ( مللت وعجلت ) , ليس أنا بالتأكيد 😛
    لأن كلاهما من طين الدنيا , أما أنا فيتهيأ لي أني من طين الجنة .. هذا الشيء يرضي غروري !
    لعلي نصف إله .. ( كأني أستمع الآن لـ استغفر الله ) 😛

    حياك الله , ولا تحرميني طلتك ..

    ,

    سنبلة ,

    أتمنى أن لا تفارقك الابتسامة دائماً ,
    حضورك يسعدني 🙂

    شكراً ..

Leave a Reply

*
To prove you're a person (not a spam script), type the security word shown in the picture. Click on the picture to hear an audio file of the word.
Anti-spam image