في مديح الحكاية *

لا أجد ما أكتبه , تمنيت لو كان الأمر أن أقول ( يُحكى أنه ذات يوم .. ) وتأتي الأفكار تِباعاً . جربت هذا , قلتُ في قلبي ( يحكى أنه ذات يوم سكنت ملكة البحر ) فتوقفت . أغمضت عيناي وقلت ( يحكى ذات يوم أن كنتُ فكرة ) فتوقف الكلام بحلقي . تحدثت عن فقد الإلهام هذا قبل أكثر من عامين , كنت حينها أنتهي من الكتابة فأقول هذا فراق بيني وبين أن أكتب ؛ ماذا سأكتب بذهني الفارغ ؟ غير أن الأفكار كانت تأتيني من حيث لا أحتسب , كانت تأتيتي حتى بالأحلام كما حدث معي في قصة الظل فأصحو لأكتبها , منذ ذلك الوقت تعلمت أن أضع قلماً بجانب رأسي حتى أدون الأفكار والأحلام . لم أكن فارغاً حقاً كما كنتُ أعتقد , كنتُ أتطلع حولي فأجد ما أكتب , حتى ذكرياتي كانت تحفر برأسي لأقع عليها . أقف على الشرفة فأجد طفلاً برجلٍ مقطوعة ينظر إلى كوبي الأزرق فأكتب عنه , يوقظني صوت العصافير عند شباك غرفتي فأكتب عنهم , عن زرعي , عن سيري الطويل , عن الغيمة تظللني , عن السعادة أحملها في قلبي وإن ثقلت عليّ . أحببت الكتابة لأني جربتُ كل شيء , الرسم , الشعر , الموسيقى , التصميم , التصوير . أحببتها لأني أردت أن أكون كل شيء .. مخرجاً سينمائياً , صحافياً , حتى مصمم أزياء , لكن لم آخذ أياً من هذه الأشياء على محمل الجد سواها . وجدت نفسي بها وأنا لم أتخيل ذلك يوماً . أحب الكتابة لأني في الواقع لا أعرف كيف أتحدث ويغلب على طبعي الصمت , وإن تحدثت كثيراً ما أصاب بالحرج فالجميع لا يفهم ما اقول بدقة , أو يسمع كلمات مختلفة عن التي تفوهت بها . وجدت عزائي بها , أن أعبّر عن كل مالا أستطيع قوله . لذلك تقاتل أمي على ألا أهجر هذا المكان , تخبرني أنها في كل صباح تأتي هنا لترى إن كنتُ وضعت شيئاً جديداً , غالباً ما أخذلها . تحب أمي هذا المكان , لاتعرف ابنها على حقيقته إلا هنا , تفهم ما أريد أن أقوله ولا أقوله . أقول هذه الأشياء لأنها كانت مأساة بالنسبة لي أن أجلس هذه الفترة الطويلة لا أجد ما أكتبه , كنتُ أيام ذهني الفارغ أجد الكثير , للحد الذي  كنت فيه أؤخر الأفكار لأيام حتى لا أخرّب نظام المدونة ! أنا المهووس بالدقة والترتيب . أفتقد الكتابة , أفتقد يدي التي تكتب فأنظر إليها واتسائل هل أنا حقاً الذي يكتب ؟ هل حقاً أنا الذي تخرج الأفكار منه ؟ كانت الكتابة وحدها من يبعث السعادة في نفسي , لأني اعتدت أن لا أكتب لأحد , أكتب عن الأشياء والناس لي . أكتب لتستمر إبتسامتي ولا تقتلني الكآبة , حتى لا أذوي في الخريف كغصن منسي . أريد أن أكتب لأحكي أنه ذات يوم سكنت ملكة البحر وكنتُ فكرة .. فغرقنا بذات الأحلام المتشابهة , بالبيت يكسوه ورق الجدران , بالمكتبة أرففها إلى السماء , بالكرسي في منتصفها . كنتُ الفكرة في هواجسها , صوت فيروز في سمعها , غيرتها المشعة حتى من نفسها , كنتُ الناس والقدس في قلبها . كنتُ أنا كما أنا , فكرة صامتة مليئة بالحاجة والحزن , ملأى بالمحبة . كنتُ حكاية قديمة لا تنتهي أبداً , وددت لو أكتبها .

6 تعليقات to “في مديح الحكاية *”

  1. يقول Farfalla:

    ” أكتب لتستمر إبتسامتي ولا تقتلني الكآبة ”

    وجدت نفسي هنا، دائما ما اقول ان الكتابة هي صوتي حينما يتعثر صوتي الحقيقي، حينما اخاف، حينما تحاصرني الوحدة وتهجرني الاكتاف التي عليها استند، وعلى كثرة ما خذلتها، لم تخذلني الكتابة يوماً، إنّها الأوفى والأقرب.

    تشبث بقلمك وإن غفى قليلاً .

  2. يقول Jaywan:

    : )
    هل تدري يا منصور حجم الفراغ بين : و ) .. بينها حبست أنفاسي !!
    وأنا التي اعتدت أن أحبسها في كل حكيك الغير مفصول بقواطع حديث .. أنا كأنت!! أدرب نفسي على أن الحياة كما الآخرين (فصول) ولكني فصل طويل .. ابدأه في الخريف ولا ينتهي بفصل إنما بمطر .. فصلي المطر .. والخريف ..

    الكتابة ليست فعل .. ولا سبب .. الكتابة سلوك .. سلوك جميل .. نرتكبه .. لذلك في أغلب الأحيان (أهالينا) يحبون الاطمئنان علينا منه .. فوالدتي إلى اليوم تسألني ماذا تكتبين!! والدتي لن تفهم ماذا أكتب .. لأنها تتمنى لي دائماً الأفضل .. فتسألني هل تكتبين عن جعجع !! عن والدك ؟ عن الديك في المزرعة ؟ هل تكتبين عن مغامراتك؟ هل تكتبين عن الدين!! دائماً ابتسم وأخبرها بأنها كتابات عني .. لتحرر البشرية .. ودائماً تمسك رأسها من هول الفاجعة .. أتمنى أن تبرأ والدتي مني .. : ) وأتمنى أن تقر عين والدتك بك ..

  3. يقول نوران:

    الله 3>

  4. يقول Lament:

    Farfalla

    أهلاً فيك , شكراً جزيلاً لتعليقك الجميل .
    صباحك حلو ..

    ~

    Jaywan

    أهلاً أهلاً : )
    أعجبتني إن الكتابة سلوك , فعلاً حسيتها كذا ..
    شكراً جزيلاً لك وسعيد بهالطلة الحلوة : )

    ~

    نوران

    (f)

  5. يقول ♣ S.A.R.A.H ♣:

    ” أحب الكتابة لأني في الواقع لا أعرف كيف أتحدث ويغلب على طبعي الصمت , وإن تحدثت كثيراً ما أصاب بالحرج فالجميع لا يفهم ما اقول بدقة , أو يسمع كلمات مختلفة عن التي تفوهت بها . ”

    أجد نفسي هنا ..
    أيضًا أحببت حديثك عن الوالدة ، الأم التي تجد أن مدونتك هي ترمومتر صحتك ، والتي تخبرها أنك بخير .. جميل ،
    تحياتي لها ولما تكتبه دائمًا أخي منصور .

  6. يقول Lament:

    أهلاً فيك ,

    شكراً لك ياسارة , سعيد بك وبتعليقك .
    تحياتي (F)

Leave a Reply

*
To prove you're a person (not a spam script), type the security word shown in the picture. Click on the picture to hear an audio file of the word.
Anti-spam image