الشجرة
– مقطّع لك سجر هون إنته وإلا تقريباً لا ..
– غسان : أبداً , كل واحد يقطع سجرة كان بياكل قتلة .
– وأنته اللي تطعميه القتلة ؟
غسان : ايه ..
شاديا
" شاديا : لم أكن أصدق . وما أغواني فعلاً هو التواضع الذي لا يتطابق مع فكرة الرجل الكبير , وحماسه الاستثناني الذي قلة من الشباب في العشرين من العمر يملكونه , وبعدما تعرفت إليه أكثر تدريجياً هذا الوفاء لكل ما رحل , وما يعجبني ويزعجني في الوقت عينه هو صمته عن الشكاوى التي بإمكانه التكلم عنها , لم أسمع أبداً هذا الرجل يقول : آخ ! أو " شو عمل ربنا فيي " , أبداً أبداً , هذا يزعجني لأن ذلك لا يسمح لي بالعودة إلى طبيعتي , أي أن أتذمر من مشاهدة كل هذه الأمور تأتي واحدة تلو الأخرى والقدر يعذبه بهذا الشكل " .
الايمان
" وجدت نفسي تلميذ فلسفة , فتعلمت الايمان بوجود الله من خلال المنطق , ولكن ليس الله كإنسان , بل الله كقوة , قوة خلق , وطاقة , لأن في علم الفلسفة كل سبب يؤدي إلى نتيجة وكل نتيجة تصبح سبب للنتيجة اللاحقة " .
الغفران
– ماهو الألم الذي يدعك تبكي وتظهر الضعف ؟
– غسان : ليس هناك من ألم . أحياناً أدع نفسي أبكي , فعلت ذلك مرة أو اثنين . في الكنيسة عندما كنا نصلي من أجل غابي [ جبران ] وكان النعش قريباً بكيت من كل قلبي وتكلمت من خلال دموعي .
– أيمكننا أن نتكلم عن المغفرة ؟ في أحد الأيام قلت كلمة باتت مشهورة , وقت موت جبران , أود أن أعرف ما الذي دفعك أو ما الذي ألهمك أنه يجب قول هذا في ذلك الوقت ؟
– غسان : لأنه كان ينبغي أن تدفن مع جبران قضية بكاملها . ولأني لم أجد موقفاً أخراً مناسباً أكثر . أي موقف ؟ الانتقام ! فلا أملك الوسائل لأنتقم .
– إذاً لم يكن تفكيراً ذرائعياً ولا بدم بارد بل بصدق حقيقي قلت كلمتك ؟
غسان : أجل . كان صدق الإيمان , فلقد كنت بالكنيسة , وأعجبت بكلمة المطران جورج خضر , وشعرت أن هذا الموقف الذي يستحقه غابي .
– أتظن أنه في المطلق هذا هو موقفك الوحيد ؟
– غسان : نعم .
– بالنسبة إلى جبران فقط ؟
– غسان : بل بالنسبة إلى كل القضية , قضية لبنان .
– ألا تظن أنه ينبغي اصدار حكماً ما ؟
غسان : بلى , لقد قلت لاحقاً , قلت أنني أطلب العدالة أيضاً , المغفرة والعدالة , ولكن ليس الانتقام .
– العدالة والمغفرة أو المغفرة والعدالة ؟
غسان : أتعلم ؟ الأمر سيان . ليس هناك من أسبقية فكرية بين هذه الفكرة والأخرى .
– ربما أسبقية عاطفية ؟
– غسان : عاطفية ؟ العدالة هي عزاء , أما المغفرة عزاء أكبر .
– وأنت تغفر أيضاً لكي تبقى سليم الجسد و الروح والنفس ؟
– غسان : ما لا أغفر له هو أن محاولة الاغتيال دمرت كلياً جسد جبران , من دون أن يسمحوا لنا برؤيته , ويعتبر هذا تعدياً على الخلق الإلهي , فالله خلق الإنسان على صورته , وقد تم تدمير هذه الصورة , عادة في تقاليدنا , نفتح التابوت مرة أخيرة ونضع رملاً ونقبل الميت , وكل ذلك كان مستحيلاً .
– كان حداداً صعباً إذ لم تتمكنوا من فعل كل ذلك .
غسان : لم أتمكن من رؤيته عندما كنت في المستشفى , لأرى إن كان بوسعي رؤيته في غرفة الموتى , لكنهم رفضوا , إذ كان مشوهاً بالكامل . وبعد عشرين يوماً وأربعة أشهر أرسلوا أجزاءً لنا أخرى من جسده وقالوا أنهم لم يتمكنوا من التعرف إليها قبل أربعة أشهر , وهنا يتخطى هذا الأمر الإنسان , ليبلغ ما يمثله الإنسان في مقياس القيم البشرية والإلهية .
الوطن
– أنا اسألك بصفتك أباً . شو النصيحة اللي بتعطيني أنا اياها كشاب لبناني ..
غسان : إنو يضّل هوني . وتحط رجليك بالأرض لأنو ماراح تلاقي محل أحسن من هون . ماهي الضمانة التي تملكها إذا ذهبت إلى أميركا أو إلى باريس ؟ ما الذي يستطيعون تأمينه لك أفضل مما يمكنك أنت أن تؤمنه لنفسك هنا ؟ روح الوطن لا تكون بالوجود الجسدي , فالجسد ليس أهم من الأخلاق , وليس متماسكاً كالأخلاق عندما نتكلم عن الحب لا نتكلم عن شيء مجرد بل عن شيء صلب بإمكانك لمسه تقريباً إذا قمت بمجهود . والحكمة الأقوى هي حب الوطن .
– ما الذي يحافظ على حماسك ؟
– غسان : هذا لا يتعلق بالنطاق السياسي , غالباً ما نستخدم مصطلحاً , مثلما نقول الميتافيزياء ," لكل ماهو وراء الطبيعة على مقياس المعرفة " , هناك " ما وراء السياسة " .
– وماذا يعني هذا المصطلح ؟
– غسان : يشمل كل ما يتخطى السياسة . أي علاقتك مع الوطن , مع الدولة , مع الحكومة , ليست سياسة , بل أبعد من السياسة , هي التزام الحياة البشرية .
– من أين تستمد آمالك ؟
– غسان : من إيماني .
– من أين يأتيك الايمان غير المشروط والثابت والدائم ؟
– غسان : أن الوطن لا يخون أبداً من عمل على خدمته , ومن أحبه .
من وثائقي عن غسان تويني .