لما طغى الماء .

وأنا أشاهد صور كارثة جدة الثانية , لفتت نظري كثيراً هذه الصورة , وجدتها بالفعل أكثر الصور تعبيراً عن الحال . ليس الملفت هنا غرق سيارة تحمل شعاراً مضحكاً داخل مدينة تغرق هي الأخرى تُعتبر أهم مدننا من الناحية التاريخية و الثقافية و الاجتماعية , المدينة الجامعة التي تمثل نموذجاً نادراً للتعايش بين الثقافات والأعراق المختلفة – مع ما يحمله هذا الغرق من نكبة كبيرة – وجدت هذه الصورة الأكثر تأثيراً لأنها تعبّر ببساطة عن غرق وطن بأكمله , عن غرق فكرة ضخمة اسمها ( السعودية ! ) . بعيداً عن وصف هذه الكارثة أدخل في صلب الموضوع وأقول أن الوضع يحتاج إلى عملية إنقاذ كبيرة لانتشال ما بقى من مسألة الانتماء والوطنية ومحبة الأرض المربوطة بطرف خيط بسيط بصدور الشعب , المسألة الأشد خطورة حال التأمل في كل ما يحصل حولنا أنه لا يجمعنا مؤسسات نحتكم إليها أو نلجأ إليها وقت الملمّات , لا يوجد لدينا دستور نجتمع على احترامه في الشمال والجنوب , لا يوجد حتى جيش أو قوات مسلحة تحظى بتقدير عميق لدى المواطنين يمكن أن تكون مصدر ضمانة لديهم , هل نحن حتى متفقين فعلاً على تسميتنا ( سعوديين ) ؟ لا أعتقد أن هذه فكرة جامعة أو حتى تحوز على رضا الأغلبية . لمن نلجأ حال انهيار الدولة لأدنى هزّة قد تحدث ( لا قدّر الله ) ؟ لا يوجد سوى القبيلة أو الاعتكاف في البيوت ممسكين بالأسلحة , لأنه وقتها لن يأمن أحد على نفسه من الخروج لعتبة باب البيت لأدنى طلب تافه . كثيراً ما أفكر بهذا الأمر وأحس أن شعرة سوداء في رأسي تبدأ بالبياض . إلى متى سنبقى على هذه الحال ؟ هل ننتظر أن يتم تقسيم وطننا إلى 5 دول ؟ هذه فكرة بعيدة نعم لأن الدولة في الوقت الحاضر قوية وأتمنى لها البقاء قوية أبد الدهر . فكرة بعيدة نعم لأن الملك يحظى بشعبية جارفة في كل بيت , لكن هل تعتقدون أن هذا سيستمر ؟ لا لن يستمر والأخطاء تتراكم يوماً بعد يوم كطرقات جدة , لن يستمر والفساد يظهر بصورة أكثر جرأة ووقاحة عن أي يوم مضى . لو أن الملك عاقب المتسببين بالكارثة في المرة الأولى أقسم بالله أنه لن يغضب أحد في المرة الثانية , لأننا سنعلم أن من أخطأ سينال جزاء إساءته لله وللناس وللوطن , الكلام الذي لا يُنفذ والبيانات الملكية شديدة اللهجة لا تكفي , لقد ملّ الناس مما يسمعون عنه ولا يرونه , أين هيبة السلطان والمُلك إذاً ؟ إذا كانت كل هذه الوعود لن تتحقق فالأسلم أن لا تقولوا شيئاً وتكتفوا بأن تألمون كما نألم حتى لا تضيع هيبة المُلك من صدور الناس . أشاهد الصور الجوية لمدينة جدة و أتسائل بحرقة هل هذه جدة أم الخرطوم يخترقها نهر النيل ؟ لا أدري لماذا لا يعاقبون أحداً على هذه الكارثة الشنيعة , هؤلاء الفاسدين لم يأكلوا أموال الناس بالباطل وحسب , بل وقتلوا أبرياء وهدّموا صوامع وبِيع ودمروا ممتلكات الناس التي لا يجدون غيرها , وكأننا نعيش في رفاهية والرجل قادر على بناء بيت وشراء سيارة متى ما عنّ له ذلك , كأننا لا نُهلك أنفسنا بالقروض وفوائدها المضاعفة أضعافاً كثيرة حتى قَهرنا الدَيْن وصرّافيه وأصاب الهمّ والكآبة نفوس الناس وشوهها كما يتشوه كل شيء جميل في وطننا حال هطول الأمطار لعشرة دقائق . لماذا لا يُشّهر بهؤلاء الفاسدين ؟ لأن لهم أبناء وعوائل ؟ لن ننظر إلى أبنائهم و أُسرهم فلا ذنب لهم ولكن فقط ليعلم هذا الشعب المغلوب على أمره أن المخطئ يُعاقب لا أن يعيّن في منصب وزير بعد عدة أشهر من حدوث الكارثة الأولى في استفزاز لم ولن أشاهد مثله في حياتي ! حققوا مطالب الناس , قفوا في صف البسطاء لا في صف من لا يحتاجون أن يقف بجانبهم أحد , الشعوب هم ضمانتكم وأداة استقراركم . الكلمة الصادقة لا المنافقة هي من تأخذكم وتأخذنا لننجو من ظلمات الغرق , التفتوا إلى الناس يرحمكم الله ..

3 تعليقات to “لما طغى الماء .”

  1. يقول Nazhoon:

    ما حدث لجدة… ليس كارثه فقط. هي جريمه في حق سكانها و تاريخها و ثقافتها.

    دعواتنا و قلبنا معاهم…

  2. يقول نُونْ:

    ..

    المضحك المبكي في كل هذا و بعد كل ما حدث من زهق للأرواح و ممتلكاتها، عادوا المسؤولين ليكرروا الوعود الكاذبة بـ”حلول هندسية لضمان عدم تكرار غرق الأنفاق مستقبلاً”
    الغريب في الأمر أن الوعد صدر من ذات الشخص الذي وعد سكان جدة العام المنصرم، و قال أن كل ما كانوا يعانون منه هو ” صدمة نفسية لا أكثر” و تمنى أن تهطل الأمطار مجدداً ليصدق وعده، و ما صدق …
    لا أتمنى أن يهطل المطر مرة ثالثة لأنه بعد كل هذا لن يصدق أبداً …

    شكراً لك (F)

  3. يقول Lament:

    نزهون

    يسعد صباحك : )
    ودعواتنا أيضاً لهم , شكراً لك .

    ~

    نون

    حلوة صدمة نفسية 😀
    شيء غريب والله ! فعلاً لو الواحد يسكّت ويبتعد عن التصريحات أفضل له ولنا !
    التصريحات هذه كارثة توازي كارثة ماحصل !

    فلا تكتمنّ الله مافي نفوسكم .. ليخفى , ومايُكتم الله يعلمِ
    يؤخر فيوضع في كتابٍ فيدخر .. ليوم الحساب , أو يعجّل فيُنقمِ !

    شكراً يا نون : )

Leave a Reply

*
To prove you're a person (not a spam script), type the security word shown in the picture. Click on the picture to hear an audio file of the word.
Anti-spam image