كنت أملك ذاكرة فولاذية , لا يستطيع النسيان على اختراقها , كان أقصى ما أتمناه هو أن آكل في رمضان ناسياً , ولم يحدث ذلك أبداً , حتى كان قبل عام ذهبت مع صديقي إلى قصر السينما لمشاهدة فيلم ومناقشته , كان صديقي هذا عضواً في جمعية نقّاد السينما , وكنا معتادين على السير مسافات طويلة جداً , لم نكن نركب السيارة أبداً , اعتدنا على المشي أو ركوب المترو , في هذا اليوم لا أعرف ما كان يحصل لي , كنت أشعر بنشوة عظيمة , كنت أركض .. كان الناس يتطلعون منذهلين مما أفعله , حتى مررنا بجانب السفارة الإيطالية , وبدأت أقفز على الحواجز .. حتى وصلت عند الحاجز الأخير وعلقت رجلي وسقطت !
كانت سقطة مدوية , شعرت أن وجهي تهشم , كان لها صوتاً سمعته ولا يزال يرن في أذني , بقيت هكذاً حتى تجمع الناس من حولي , وجاء صاحبي ذاك وبدأ برفعي ..
كنت أشعر بأني سأبكي , ليس من الألم , ولكن من شيء لا أعلمه , حالتي كان يرثى لها , وجهي من الجهة اليسرى كان كله مجروحاً , يداي ورجلي تنزفان , ولا تزال آثارها حتى الآن , قميصي ممزق , وبالرغم من ذلك ذهبنا إلى الفيلم سيراً أيضاً , مشيت ما يقارب العشرة كيلومتر , وطوال الطريق كان صاحبي غارقاً في الضحك بسبب ( تنطيطي ) كما يقول , وبسبب النكت التي تذكرّها بسببي , كنت أشعر بالغيظ , لأنه لا يشعر بألمي , و كنت أضحك معه !
منذ هذا اليوم بدأت أشعر بأني أتغير , بدأت أشعر بأني لست الذي كان , أصبحت أتصرف بشكل مختلف عن السابق , وأفكر بشكل مختلف أيضاً عما مضى , أشعر بالإختلال , وكذلك بدأت ذاكرتي تخفت تدريجياً حتى بت لا أتذكر إلا القليل , صرت اسوأ , وكذلك أصبحت أفكر بالموت كثيراً .. وعلمت بعدها لماذا شعرت حينها أني سأبكي !
،
حتى الأرض تصفع يالامينت ، تصفع وتنسى .
وينمو فينا الأثر . كَ حالة مستديمة .
،
(F)
سنبلة ,
تنسى .. لأنها لا تملك ذاكرة !
هذه الأرض ..
هذه الأرض ..
.
.