" لكني وأنا جالس في ركني, لم أستطع أن أصل بالرواية إلى الختام . كانت قد استغرقت حوالي خمس سنوات لكتابتها . وبينما جلست في ذلك المكان البعيد, أعمل على هذا الكتاب الذي لا يريد أن ينتهي, بدأ خوف غريب وتعيس يشوب فرحتي بالكتابة, ووحدتي, خوف أصبح ببطء يشبه ذلك الذي يعانيه البطل, غالب . فبينما هو يبحث بإخفاق عن زوجته في كل مكان من إسطنبول, يصادف كل نوع من المفاجآت ولكنه لا يستطيع أن يشعر بمتعة حقيقية في أنفاق تحت الأرض, كل صور " تركان شوراي " تبدو متشابهة, أو كل المقالات القديمة التي يتمعن فيها, عظيم هو حزنه على خسارته . وبالمثل, بينما استمرت الكتابة وأصبح الكتاب أكبر, أصبحت متعة كتابته أعمق, لكني لم أكن قادراً على الاستمتاع بتلك الحقيقة بسبب الهدف الذي أصبح هاجساً يراوغني . كنتُ وحيداً بشكل محزن, مثل غالب تماماً . كنت أهمل حلاقة ذقني اليومية ولا أهتم بملابسي . وأتذكر أنني كنت أتجول مثل الشبح في الشوارع الخلفية لإرنكوي في إحدى الأمسيات, أحمل كيساً من البلاستيك المطوي ومرتدياً قلنسوة, ومعطف مطر تنقص منه بعض الأزرار, وحذاء رياضي قديم له نعل قذر . وكنت أذهب إلى أي مطعم قديم وألتهم طعامي, وأنا ألقي بنظرات عدوانية حولي . كان أبي يأتي ليأخذني لتناول الطعام مرة كل أسبوعين, وأتذكر أنه أخبرني بقلقه البالغ لما في شقتي من قذارة وفوضى, وما يبدو عليّ من دمار, وهذا الكتاب الذي لا يبدو أنني سوف أنهيه .
كنت أشعر بوحدة بالغة, مثل غالب . ربما كنت أشعر بذلك لكي أتمكن من وضع المشاعر في الكتاب لكنه كان مصاباً بالاكتئاب, بينما كانت وحدتي وعزلتي عن غضب . لأنهم لن يفهموا هذا الكتاب الذي كان يصبح أكثر غرابة بمرور الوقت, لأنهم سوف يقيسونه بالروايات التقليدية, لأنه كان من الصعب فهمه, لأنهم سوف يشيرون إلى أكثر أجزاء الكتاب غموضاً ليثبتوا أنه إخفاق, وأيضاً, ربما, لأنني لن أنهيه أبداً . لقد كتبت الكتاب الخطأ . أثبت " الكتاب الأسود " أن مقياس الكتاب ليس قدرته على حل المشاكل الأدبية والبنائية الموجودة فيه ولكن عظمة وأهمية القضايا التي يتناولها المؤلف, والدرجة التي يمنح بها نفسه لهذه المهمة, مهما كان يشعر باليأس . وبقدر صعوبة كتابة عمل جيد, من الصعب مزج الموضوعات التي يمكن للكاتب أن يكرس كل طاقته الإبداعية من أجلها, أن يكرس كل شيء داخله, لبقية حياته " 

ألوان أخرى

لا يمكن إضافة تعليقات.