يحدثني أصدقائي عن مدى براعتي بالتقاط التعابير الجميلة من القصائد أو الأغاني , إن كان هذا صحيحاً فإني أدين لوالدي بهذا الفضل , في بيتنا القديم كان لدينا ( مشب ) , كان والدييملأه بمختاراته من القصائد , بمجرد دخولك إلى المشب يقابلك ( سلام أحلى من حليب المصاعيد ) , كان هذا البيت بالذات من أكثر الأبيات رسوخاً في ذهني , لتفهم هذا البيت جيداً عليك أن تتأمله كثيراً لتتذوق مدى براعة الوصف الذي يحمله , المقصود هنا " سلام أحلى من حليب الإبل " , ولكن لماذا لا يريّح نفسه الشاعر ويقول سلام أحلى من حليب الإبل وكفى ؟! , المصاعيد هي الإبل التي فجأة يتوقف درّها من الحليب ويبدأ بالصعود , يمثل الصعود المرحلة الأخيرة , يكون مذاق الحليب صفوة الصفوة , الشيء النادر الذي لا يستطيع جلبه إلا الخبير بالإبل , لذلك كان وصف السلام بمنتهى الروعة , وأنا لا أستطيع أن أفصل مختارات أبي دون الولوج في عقليته , عقلية صاحب الإبل وعقلية الرجل الاجتماعي الخبير في الوقت نفسه بطبائع الرجال , ( راعي الغنم يشيب من قبل شيبه .. والبل معزّة تجلي الهم والشيب ) هذا البيت تحديداً يمثّل عقلية عاشق " عطايا الله " , الشديد الانحياز لها عما سواها , و هناك أبيات أخرى كثيرة توضح قوانين المشبّ الذي لا يُمنع أحد من الدخول إليه ولكن بالمقابل عليهم الالتزام بمتطلباته , منها ( مالي بشيل الهرج من كل مقرود .. ولا لي بنقّال النميمة علاقه / هرج القفا يكره وراعيه مطرود .. مابه لرواد المجالس علاقه ) , هذه الأبيات البسيطة والمباشرة تحمل في طياتها معاني عظيمة , لا يستطيع أحد أن يتحدث بالسوء عن الآخرين وفي كل إلتفاتة له يقرأ هذه الأبيات , هذا المشب تعلمت منه الكثير الكثير , وأدين له ولصاحبه بعد الله بالفضل عما أنا عليه , تعلمت منه كل شيء تقريباً باستثناء صنع القهوة , كان والدي يدللني !
Archive for the ‘سنرجعُ’ Category
حظي المقفي غدى بي !
الخميس, مايو 1st, 2008لكني أشقى كي أذكر !
الأحد, فبراير 17th, 2008ما يشغل فكري هذه الأيام كثيراً هي أختي الصغيرة المولودة قريباً ( ليان ) , تركتها صغيرة .. والآن هي تقف وتخطو بضع خطوات مرتبكة , كانت والدتي من قبل أن ابدأ امتحاناتي تحثني على المجيء لأراها , هي تعتقد أن ليان تمرّ بمرحلة انتقالية مهمة تستوجب مني أن أكون شاهداً عليها , في كل مرة يحدثني فيها أبي و والدتي و أختي عن ليان اتسائل بحرقة هل تذكرني ؟! في الحقيقة كان هذا السؤال يقف عائقاً أمام عودتي لرؤيتها تكبر , و خجلت من مصارحة والدتي به حتى لا تتهمني بأني آخذ الأمور بحساسية مفرطة , كان من عادتي الغياب ثم العودة لأرى الجميع متغيرون , و أن لدي أقرباء جدد لا أعرف أسمائهم , لا أحفظ الأسماء جيداً و جميع أطفال العائلة كنت أتعرف عليهم من شبههم بأمهاتهم أو آبائهم , لم يعد هذا أيضاً يكفي للتعرف عليهم , فمنذ أيام أرتني أختي صورة لطفلة , حقيقة لم أهتم بها في البداية , و كنت اعتقد أنها شقيقة إحدى صديقاتها أو ابنتها , وإذ بها تخبرني أنها ابنة خالي , لم أرها مطلقاً قبل المرة التي رأيت فيها صورتها , كان هذا صادماً لي , لم تتفهم أختي سبب اندهاشي وتأثري بما رأيته , اعتقدتْ أني حسبتها غير جميلة , وبدأت تبرر لي أنها على الطبيعة أجمل بكثير , كنت شديد التأثر بحيث أني لم أذهب حتى بأدنى توقعاتي إلى أنها قريبة لي , ليان أيضاً لم أكن لأتعرف عليها , ولدت وأنا بعيد , الحقيقة الأشد مرارة ربما أكون لا أعلم أن لدي أخت لو لم يخبرني والدي , قلت لأمي يوماً أن بطنها منتفخة , وضحكت ولم تجبني , بعدها أخبرني أبي أن والدتي حامل , و طلب مني ألا أخبرها أنه أخبرني بذلك , ولم أدري بما أجبته , أعتقد أني لم أجبه مطلقاً , لا أدري إن كان ما أقوله الآن صالحاً للنشر , و أصبحت أنا و والدتي متواطئين بإخفاء هذا الأمر عن بعضنا الآخر , هي تعلم أني أعلم , وأنا أعلم أنها تعلم , ولكن لم يتحدث أحدنا بهذا الموضوع إطلاقاً , تخيلوا المفاجأة لو لم يخبرني والدي بهذا الأمر , و فجأة يصبح لدي أخت ! لا أدري إن كانت ليان تذكرني , أنا أيضاً لو لم أملك لها صوراً لما استطعت أن أتذكر ملامحها , قليلة هي المرات التي حملتها فيها , قليلة هي المرات التي كنت فيها معها , أذكر أنها كانت تطيل النظر بي , يقولون ذلك , وأنها كانت تبتسم لي كثيراً , وأني كنت أسمعها فيروز , أعتقد بأنه فاتني الكثير ..
سقى الله روضة أحبابٍ غشاها سيل غيماتك !
الخميس, نوفمبر 29th, 2007
تربطني بوالدي أواصرٌ من ذكرى لا تنفكّ , لم تكن يوماً علاقتي به علاقة الأب بابنه , بل كانت علاقة صديقٍ بصديقه ..
من قبل الوعي كنت مرافقاً له , كان يخبرني دوماً بأن دموعي تبدأ بالإنحدار وتختلط بكل شيء حينما يخرج ولا أكون برفقته , أقف بالشارع حتى يعود ويأخذني معه , هو كذلك لا يصبر ويعود !
كان هذا موضع تندر أعمامي ولا يزال , يضحكون بصخب وهم يتذكرون أيام كنت مع أبي وعمري ثلاثة أعوام وهو يقود وأنا أزعجه وأطلب منه أن يفعل بشماغي كما يفعل هو 🙂
من أجمل ذكرياتي معه أيام كان لدينا إبل , كنا نذهب بعد صلاة الفجر إليها , يكون الراعي ( بخيت ) بإستقبالنا , كان والدي يجلس صامتاً يتأملها , كنت أفعل قدوةً , وكان يفعل بخيت هيبة , كان مشهداً أراه كل فجر لا أملّ منه !
كان شديد التعلق بها , ولا يُلام .. لا يمرّ من أمامها أحدٌ إلا وقف يتأملها ذاكراً الله !
أتعلمون .. عاشق الإبل هذا لم أرى في حياتي رجلاً أحنّ منه , وطناً لوحده , صدراً يحتوي كل من يأتيه !
تعلمت منه كل شيء , صنع مني الشيء الذي يعتمد عليه من غير أن يقول لي يوماً افعل ولا تفعل , كنت أرتكب الحماقات وكان يبتسم .. ولا أعود لها !
جعل مني الرجل الذي لا يفتخر به وحده , وإنما كل من تربطه به أواصر قربى ولو من بعيد !
لا أزال صغيراً أمامه , وصغيراً على أن أكتب عنه ..
كان يسمى إبله ( عطايا الله ) .. و هو كإبله من عطايا الله !
لا قيل أبوه اللي على الجود عيّا ..
قالوا يجي مثله , ولو مثلك صعيب !
ذكراه كالمطر , يحيي !
ولكنيّ أحفظها ليسقيني غيمه في كل مرة أذكره !
أدامك الله سيدي و والدي و معلمي الأول ..
لقمري الذي لا يغيب ,
الجمعة, أكتوبر 26th, 2007لعله من أصعب ما يواجهه المرء في حياته أن يكتب عن الذين يحبهم , فالكتابة عنهم مربكة , ويجب أن يقول شيئاً ما قاله أحدٌ من قبله , وأنّى له ذلك !
وكيف به وهو يكتب عن حبه الأبدي .. عن أمه , فالعجز هنا أوجب !
ولكن هنا يكفي الإنسان شرفاً أن حاول , وإن لم يكن ذلك كما يأمله ..
حينما أفكر فيك , لا تأتي بذهني سوى الصور التي كنت فيها بجانبك , كنت دوماً بجانبك , وشديد التعلق بك , مهما أبتعدت فالعودة لا تكون إلا إليكِ , كنت شديد الإعجاب بكِ , و حينما يُعجب المرء بأمه فإن إعجابه خاصٌ لأنها أمه , لكن بالنسبة لي فالأمر مختلف , لم يكن إعجابي بكِ لأنكِ أمي وحسب , بل لأني كنت أرى فيكِ مالم أره بغيرك , كانت تخرج منكِ الأشياء الجميلة كما يخرج منكِ النفَس , من غير جهدٍ منكِ ولا تزييف , هو أمرٌ خلقه الله بك , تعلمت منكِ كيف يكون المرء شامخاً من غير أن يكون ذلك تعالٍ على خلق الله , وليس بين الأنفة والتعالي الا شعرة , ما اجتزتها قط , منكِ تعلمتُ كيف يكون الإنسان كريماً لا يبتغي الا وجه الله , منكِ تعلمت أن اقرأ , منكِ تعلمتُ كل جميل !
لكِ الفضل بعد الله في كل شيءٍ وصلتُ إليه وسأصله !
لم أنسى قط إيثارك لنا على حساب نفسك , كان ذلك والله يبعث المرارة في نفسي , وكنتِ دوماً تخبرينا أن جاء الوقت لأتوقف عن ذلك , ولا تلبثين أن تعودين سيرتك الأولى وتقدمينا على نفسك في أبسط الأمور وأعظمها !
لله إنتِ ما أعظمك !
في كل مرةٍ أراكِ , أشعر بالرغبة لأن أقول لك أحبك وأن أقبل رأسك وكفيك , وما كان يردني والله إلا الحياء منكِ , ولكن هي القلوب تصل ما ينقطع بالجوارح , ولعلكِ تشعرين بما أفكر فيه حينها ..
أعلم كم خذلتكِ في المرة الأخيرة , وكم خيبتُ أملكِ فيّ , كنتُ دوماً معتاداً على أن أكون الأقربَ لكِ وتكونين الأقربَ لي , كنتِ الصديقة الأولى , ولكن حينها ابتعدت عنكِ قليلاً , وكنتُ أشعر بكِ تتألمين من ذلك , ولكن لا أدري ما كان يحصل لي , كنت أشعر حقاً بأني لست على ما يرام ولا أعلم السبب , ولكن إن ابتعدتُ عنك خطوة كانت محبتك تقربني منك ألف خطوة !
في الماضي .. حينما كنا نتناقش و كانت أصواتنا تعلو وتأتي القطيعة أياماً ربما , لكنها لا تطول , بكلمةٍ منك أو مني ينتهي كل شيء , إلا في المرة الأخيرة , حينما قلت لك لا .. أحسست حينها أني أغضبت الله , ولا أدري كيف أصلح ما أفسدت , كانت أرى الدنيا سوداء كما أرى وجهي حينها , كنت أنعزل إلى نفسي وأبدأ بالبكاء , حتى أني لم أجد طريقةً أعتذر بها منك , كنت أشعر بأضعاف الألم الذي سببته لك , حتى الورقة التي كتبتها لك جلست أياماً لا أدري كيف الطريقة التي أوصلها لك .. ورغم ذاك , كنتِ دوماً تصنعين لي الأطباق التي أحبها , ما انقطعت مودتك أبداً رغم ما فعلت !
لله أنتِ ما أجملك .. لله أنتِ !
أعلم أنه منذ السطر الأول ستبدأ دموعكِ بالإنهمار , ولكن من أجلي اكبحي جماحها هذه المرة , فأنا مذ فكرت بالكتابة عنكِ بادي الرأي , أردت أن يكون ما أكتبه خالياً من التزويق , نابعاً من القلب , كالطفل حينما يرتمي في حضن أمه لا يدفعه إليها إلا الحب , أتراها تبكي حينما يأتي صغيرها إليها ؟! لا تبكي بل تزيد في ضمه إليها ولا تبعده ..
للحديث عنكِ وإليكِ نشوةٌ لا تنتهي , ولكن لم أكتب ما أكتب إلا لأني أشعر تجاهك بالتقصير , وإني لم أعاملك يوماً كما يجب , فلتسامحيني , ولتطيب نفسك , ولتعلمي أنه مهما كنت صامتاً في حضرتك , فإن لي قلباً لا يفتأ عن التسبيح بمحبتك أبداً حتى يكون ذلك هو آخر عهده من الدنيا ..
ابنك !