دموع الـ٢٤ رجلاً

"كان الصمت مطبقًا في الغرفة الصغيرة الخانقة. يصعب القول كم من الرجال الأحد عشر الجالسين حول الطاولة الطويلة عرفوا أو خمنوا أن سوزوكي سيتخذ تلك الخطوة، لم يُسمع في تاريخ اليابان أن طُلب من الإمبراطور اتخاذ قرار ما، أو القول كم كانت الصدمة حتى النخاع بهذا الإجراء غير التقليدي.

في الأيام السابقة كانت البيانات الإمبراطورية الرسمية تسمى «صوت الغرنوق»، والغرنوق يمثل رمز الإمبراطورية، ويقال إن صوت الغرنوق يظل مسموعًا في السماء حتى لو حُجب عن الرؤية. بالنسبة للمجلس الأعلى للحرب، في الساعة الثانية من صباح الجمعة، العاشر من أغسطس 1945، كان صوت الغرنوق على وشك أن يُسمع مرة أخرى في الأرض.

قال الإمبراطور في هدوء: «استمرار الحرب يمكن أن يؤدي فقط إلى إبادة الشعب الياباني ويطيل المعاناة البشرية. يبدو واضحًا أن الأمّة لم تعد قادرة على تحمل الحرب، وقدرتها على الدفاع عن شواطئها مشكوك فيها. هذا لا يُطاق بالنسبة لي»، ثم أضاف: «أن أرى جنودي المخلصين منزوعي السلاح ذاهبين من دون قول.. لكن جاء الوقت لتحمل ما لا يُطاق تحمّله».

لم يعد الإمبراطور بحاجة لأن يضع قراره في صياغة معينة، مع ذلك، استمر في الهدوء ذاته، وبصوت ثابت قال: «أعطي موافقتي إلى جانب قبول إعلان الحلفاء على أساس الشروط التي طرحها وزير الخارجية». ثم غادر الغرفة ببطء.

في الصمت، عاودت المناديل البيضاء الظهور، ربما لمسح العرق الذي يتصبب في أغسطس بتلك الغرفة الصغيرة، أو ربما لمسح الدموع التي ترقرقت في أعين الرجال الذين أصبحوا ملزمين بمنح بلدهم للعدو."

* تحقيق من ثلاثة حلقات في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان “أطول يوم في تاريخ اليابان”.
الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة

Leave a Reply

*
To prove you're a person (not a spam script), type the security word shown in the picture. Click on the picture to hear an audio file of the word.
Anti-spam image